فيقضي القاضي لصالح المنكر، إما مطلقا، أو بعد يمينه، لزم من ذلك أن بامكان المنكر دائما أن يلغي بينة المدعي، ذلك بإقامته هو للبينة ما دام كلامه مطابقا للحكم الظاهري، وما دمنا قلنا بجواز كون الحكم الظاهري أساسا للشهادة، وهذا أيضا غير محتمل فقهيا، ثم لو قلنا بعدم الحاجة إلى يمين المنكر عند تعارض البينتين، لزم أيضا ما مضى من إمكان تخلص المنكر من اليمين دائما.
وإن اخترنا المبنى الثالث: وهو أنه لا تقبل البينة من المنكر بأي شكل من الأشكال، قلنا: إن البينة القائمة على أساس التعبد: إما أن تكشف هويتها أمام القاضي، أو لا تكشف هويتها أمام القاضي، فيعتقد - أو يحتمل - القاضي كونها قائمة على أساس معرفة الواقع بالحس أو ما يقرب من الحس.
فإن كشفت هويتها أمام القاضي وبينت أن الشهادة قائمة على أساس الحكم الظاهري، فبهذا قد انقلب المدعي منكرا، إذ أصبح كلامه موافقا للحكم الظاهري، وبذلك سقطت البينة عن الحجية القضائية، لأننا فرضنا عدم قبول البينة من المنكر إطلاقا.
وإن لم تكشف هويتها أمام القاضي، فهنا نسأل: ما ذا يقصد بفرض حجية هذه البينة؟
فإن قصد بذلك حجيتها بمعنى أن القاضي قد اغتر، واعتقد أن هذه بينة قائمة على أساس الإحساس بالواقع، وكان من الطبيعي عندئذ تنفيذه هذه البينة، فهذا لا يعني حجية البينة القائمة على أساس التعبد كما هو واضح، وإنما يعني أن البينة خانت بتحريف مسيرة القضاء بإيحائها إلى ذهن القاضي أنها قائمة على أساس الإحساس بالواقع لا التعبد.
وإن قصد بذلك أن عدم كشف البينة عن هويتها التعبدية جعلها ذات قيمة أكبر مما لو كشفت عن هويتها بحيث أصبحت الآن حجة حقيقية لا من باب تغرير