شهادة بالواقع عن علم فرتب عليها الأثر.
ويمكن أن يصاغ الدليل على كون مقتضى القاعدة عدم نفوذ الشهادة القائمة على أساس التعبد بصياغة أخرى بيانها: أن يقال: إن الموقف الفقهي من بينة المنكر فيه احتمالات ثلاثة سندرسها في موضعها - إن شاء الله -:
الأول: أن تكون بينة المنكر حجة كبينة المدعي وموجبة للقضاء وفقها بفرق أن المدعي هو الذي يكون عليه البينة، فلو أقامها لا تصل النوبة إلى بينة المنكر، ولو لم يقمها جاز للمنكر أن يكتفي باليمين، فيقال: هذا هو المقدار الذي يفهم من ما ورد من أن (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)، فهذه القاعدة ليس معناها عدم قبول البينة من المنكر، وإنما معناها التسهيل على المنكر بالاكتفاء بيمينه إذا أراد، وذلك بنكتة مطابقة كلامه للأصل. أما إذا أقام البينة - بعد فرض عدم إقامة المدعي للبينة ووصول النوبة إليه - فلا بأس بذلك، ولا يطالب عندئذ باليمين.
والثاني - أن يقال: إن قاعدة أن البينة على المدعي واليمين على المنكر كما لم تدل على رفض البينة من المنكر كذلك لم تدل على تقديم بينة المدعي على المنكر، فهما متساويتان في القيمة، وإنما الفرق بين المدعي والمنكر أن المدعي هو الذي يطالب بالبينة، وأما المنكر فله الاكتفاء بالحلف أو بالبينة لو لم يقم المدعي البينة، أما لو أقام كلاهما البينة بالتساوي: فإما أن يحكم للمنكر لمطابقة كلامه للأصل، أو يحلف المنكر، ثم يحكم له بعد حلفه. ونلحق بهذا الاحتمال احتمال كون بينة المنكر حجة ذاتية لا قضائية، فالمنكر - على أي حال - بحاجة إلى اليمين، وإنما فائدة بينته هي إسقاط بينة المدعي بالتعارض. وعلى أي حال فيشهد للأول - أعني كون الحكم للمنكر - ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم إليه رجلان في دابة، وكلاهما أقاما البينة أنه أنتجها، فقضى بها للذي في يده،