يمين المنكر لو لم تكن للمدعي بينة، فشهادة الشاهدين بالملكية الظاهرية لزيد على أساس اليد - مثلا - ليست بأفضل حالا مما لو رأى القاضي بأم عينيه وجميع من كانوا جلوسا حوله أن زيدا له اليد على هذا المال، ومن الواضح أنه عندئذ ليس للقاضي الحكم بمالكية زيد إلا بعد يمينه، فالشهادة بالحكم الظاهري لا تعتبر بينة موجبة للحكم على أساسها. نعم، قد تقلب الشهادة بالحكم الظاهري المدعي منكرا والمنكر مدعيا، كما لو لم تكن لزيد ولا لعمرو أمام القاضي يد على المال، وكانت دعوى عمرو للملكية مطابقة للاستصحاب، فكان هو المنكر، وشهدت البينة بأن زيدا كان هو صاحب اليد على هذا المال بعد الملكية السابقة لعمرو في زمان تعلم البينة بأنه لم ينتقل المال بعد ذلك منه إلى عمرو، فهذه شهادة من قبل البينة تقلب المدعي منكرا والمنكر مدعيا، فيصبح زيد هو المنكر بعد أن كان مدعيا وعمرو المدعي بعد أن كان منكرا.
وإن فرضت شهادة البينة بالحكم الواقعي اعتمادا على الحكم الظاهري، فمن الواضح أن العرف لا يتصور كون شهادتها على الحكم الواقعي التي هي فرع علمها بالحكم الظاهري بأكثر قيمة من شهادتها الحسية بنفس الحكم الظاهري الذي هو الأساس لشهادتها بالواقع، فلا يتم في نظر العرف إطلاق لدليل نفوذ الشهادة القائمة على العلم - منضما إلى دليل قيام الأمارة والأصل مقام العلم - لما نحن فيه.
فتحصل حتى الآن: أن مقتضى الأدلة الأولية عدم نفوذ الشهادة القائمة على أساس الأمارة والأصل.
نعم شهادته بالواقع اعتمادا على الظاهر جائزة تكليفا، بمعنى عدم مشموليتها لحرمة الكذب لو قلنا بقيام الأمارة والأصل مقام القطع الموضوعي، ولكن يبقى محل للقول بالحرمة التكليفية من ناحية التغرير وحرف مسير القضاء عن مسيره الطبيعي لو لم يبرزا أن شهادتهما بالواقع إنما هي بالاعتماد على الظاهر، فتخيل القاضي أنها