فلو أريد تشخيص القرينة من الكلامين المنفصل أحدهما عن الآخر أمكن وصل أحدهما بالآخر، لكي يقوى الإحساس بالقرينة، وأظن أن مقصود المحقق النائيني (رحمه الله) من قاعدته كان هو هذا الوجه.
وهذه القاعدة بناء على هذا التفسير مؤتلفة من مقدمتين:
الأولى - دعوى انحفاظ نكتة القرينية في الانفصال.
والثانية - دعوى أن نكتة القرينية المنحفظة في حال الانفصال لو جعلت هي القرينة على المراد والهادمة للحجية، فهذا أولى في نظر العرف من جعل الآخر قرينة الذي هو غير مشتمل على نكتة القرينية، والمقدمة الثانية صحيحة بلا شك في مورد تمامية المقدمة الأولى وهي بقاء نكتة القرينية بعد الانفصال، فإن النكتة التي يمكن أن تبقى بعد الانفصال، إما هي الأقوائية، أو هي الظهور في المفسرية، وهي تهدم الظهور الأول عند الاتصال بنكتة ما فيها من الكشف عن المعنى المتقدم على الكشف الأول، وهذا الكشف إن لم يمكنه هدم الظهور لعدم الاتصال يهدم الحجية لا محالة.
ولا يخفى أن المحقق النائيني (رحمه الله) لا ينظر في قاعدته هذه إلى مسألة الأقوائية، وإنما الظاهر أنه ينظر إلى المفسرية، فإنه قصد بالقرينة ما قال عنها: إن ظهور القرينة يتقدم على ذي القرينة ولو كانت أضعف.
وعلى أي حال فالمقدمة الأولى غير تامة في المقام، فإننا لو سلمنا وجود إحدى النكتتين دائما في القرائن - أعني الأقوائية والمفسرية - ولم نقل: إن نكتة القرينية قد تكون مجرد نفي القرينة لمقتضي الظهور الأول، كما هو الحال في القرينة التي ترفع الإطلاق برفع عدم البيان - والحق أن البيان الهادم للإطلاق إنما هو البيان المتصل - وقد تكون مجرد تأثير القرينة في إيجاد صورة ثالثة تصورية في ذلك، كما قد يدعى ذلك في العام المتصل بالمخصص، حيث يقال: إنه يعطي للذهن تصورا صورة ثالثة غير صورتي العام والخاص، وهي صورة (العام المقتطع منه الخاص)،