على الحدس والاجتهاد، إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب لذكرت في كلام أحد من القدماء، وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر عدا ما جاء عن النجاشي بخصوص مراسيل محمد بن أبي عمير من سكون الأصحاب إليها معللا بضياع كتبه وهلاكها، فمن المطمأن به أن منشأ هذه الدعوى هي دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن هؤلاء، ويشهد لذلك أن الشيخ لم يخص ما ذكره بالثلاثة بل عممه لغيرهم من الثقاة الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عن ثقة، بينما لم يعرف أحد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الإجماع على التصحيح، ومما يكشف عن كون هذه النسبة اجتهادية وغير ثابتة في نفسها نقض الشيخ نفسه لذلك في كتابيه التهذيب والاستبصار، حيث يناقش فيهما سند بعض الروايات بالإرسال رغم كون المرسل أحد الثلاثة، أو أحد أصحاب الإجماع.
أقول: لا إشكال في أن الأصل في الخبر هو الحس، فحمل كلام الشيخ على الحدس والاجتهاد، أو التحميل عليه بأنه استفاد ذلك من كلام الكشي في تصحيح ما يصح عن جماعة بحاجة إلى مبرر، وتبرير ذلك (بأنه لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمرا معروفا متسالما عليه بين الأصحاب لذكرت في كلام أحد من القدماء، بينما لا يوجد عين ولا أثر من ذلك) قد أورد عليه الشيخ عرفانيان في كتابه (مشايخ الثقات) بأنه ما أكثر كتب الأصحاب التي تلفت، ولم تصل بأيدينا، فلعل هذا كان مذكورا في الكتب التالفة (1).
أقول: لئن فرضت صحة استبعاد وجود تسوية من هذا القبيل من قبل الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم من دون أن نجد عينا ولا أثرا فيما وصل بأيدينا من كتبهم رغم ترقب ذكر ذلك في كتب الفقه والأصول والرجال،