مقاييس القضاء إن لم يكن أولى فلا أقل من تساوي الاحتمالات، فيسقط الاستدلال.
وأورد عليه أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في كتاب ﴿فدك﴾ (1) بأن حديث " رجل قضى بالحق وهو لا يعلم " لا يقتضي عدم موضوعية الواقع للحكم، غاية ما هناك أنه يقيد الأدلة الأولى بالعلم، فيصبح الواقع جزء موضوع، والعلم به جزء آخر للموضوع، ولا بأس بذلك.
أقول: هذا مضافا إلى ضعف سند الحديث.
وعلى أي حال فبالإمكان أن يغض النظر عن الشاهد الذي ذكره المحقق العراقي (رحمه الله)، ويقال ابتداء: إننا نحتمل كون المقصود بالحق والعدل في المقام هو الحق والعدل وفق مقاييس القضاء لا وفق الواقع، فما لم يثبت ظهور الأدلة في إرادة الحق والعدل وفق الواقع لا يتم الاستدلال بهذه الأدلة، وقد أشار إلى ذلك أستاذنا الشهيد (رحمه الله) في كتابه المذكور، وأجاب عنه (2):
أولا: بأن المتبادر من كلمة الحق والعدل - وخاصة كلمة (الحق) - هو الحق والعدل بحسب الواقع لا الحق والعدل بحسب مقاييس القضاء.
وثانيا: بأن حمل الأمر في قوله تعالى: " أن تحكموا بالعدل " على الأمر بالحكم بما هو عدل بمقاييس القضاء، يعني حمله على الأمر الإرشادي، إذ هذا يعني الأمر بالعمل بمقاييس القضاء وقوانينه في حين أن نفس وضعها قانونا للقضاء يعني لزوم تطبيقها، فالأمر بالتزام القانون أمر إرشادي نظير الأمر بالطاعة، فظهور الأمر في المولوية يقتضي حمل العدل على العدل بحسب الواقع.