أقول: لو آمنا بأن كلمة (العدل) بحد ذاتها مجملة مرددة بين المعنيين دخل اتصالها بالأمر في اتصال ما يصلح للقرينية على إرشادية الأمر، وهذا يوجب الإجمال، على أن إرشادا من هذا القبيل - أي من قبيل الأمر بالطاعة والتخويف بالنار ونحو ذلك - داخل أيضا في شؤون المولى سبحانه كمولويته، فلا نقبل ظهور الأمر في المولوية في قبال الإرشادية بهذا المعنى. وببالي - على ما أتذكر - أنه تغمده الله برحمته - نبه على هذه النكتة في بعض أبحاثه الأصولية التي أدلى بها بعد كتابه (فدك) بسنين كثيرة.
وعلى أي حال فالجواب الأول - وهو دعوى تبادر إرادة الحق والعدل بحسب الواقع - صحيح. وبتعبير آخر يفهم من كلمة (الحق والعدل) ما هو حق وعدل في ذاته لا الحق والعدل النسبيان أي بالنسبة لمقاييس القضاء.
فإن قلت: إن هناك قرينة ارتكازية كالمتصلة تدل على أن المراد هو الحق والعدل بلحاظ خصوص مقاييس القضاء وهي وضوح أن القضاء ليس دائما بالحق الواقعي، بل في كثير من الأحيان يكون وفق البينات والأيمان وغيرهما من مقاييس القضاء مما لا يثبت إلا الحق بمقاييس القضاء لا الحق في ذاته.
قلت: إن الآيات والروايات بحد أنفسها تدل على القضاء بالحق الواقعي كما عرفت، وليس وضوح حجية مقاييس القضاء بمعنى وضوح حجيتها لإثبات أن الحكم الواقعي بشأن القاضي هو القضاء وفقها، بل من المحتمل أن تكون حجيتها حجية ظاهرية تحكم الواقع حكومة ظاهرية سنخ حكومة دليل الأمارات والأصول على الواقع، والحكومة الظاهرية لا تمتد إلى فرض العلم بالخلاف.
ولو استظهر من دليل مقاييس القضاء أنها أحكام واقعية بشأن قضاء القاضي لا يجوز له تخطيها حتى مع العلم بالخلاف، فهذا يعني الحصول على دليل منفصل على عدم حجية علم القاضي، والمفروض بنا أن نبحثه بعد ذلك ضمن أدلة عدم حجية