نعم لو ادعي الإجماع على الملازمة بين جواز القضاء وبين نفوذه وضعا في حق غيرة، وقد فرض في المقام جواز القضاء بالعلم لحجيته للقاضي، ثبت نفوذه وعدم بقاء مجال لسماع الدعوى من قبل قاض آخر، إلا أن عهدة إثبات هذا الإجماع على مدعيه.
فتحصل أن تلك الآيات والروايات إن أثبتت جواز القضاء بالعلم فلا تثبت إنهاء النزاع بحيث لا يحق لقاض آخر النظر في الدعوى، كما هو الحال في البينات والأيمان.
وعليه فلا يبقى في البين عدا دعوى الإجماعات المتكررة في الكلمات، أو دعوى تنقيح المناط في ميزانية البينة واليمين بالنسبة للعلم مطلقا، والعهدة في إثبات الجهتين على مدعيهما (1).
أقول: إن هذا الكلام إنما يتم لو كان دليلنا على نفوذ القضاء - وعدم جواز نقضه من قبل قاض آخر شاك في صحة القضاء الأول - هو حجية البينة عليه، ولكن كما لا يجوز للقاضي الآخر نقض حكم القاضي الأول والنظر في الدعوى مرة ثانية لدى شكه في صحة حكم القاضي الأول. كذلك لا ينبغي الإشكال في أنه لا يجوز للمحكوم عليه مخالفة حكم القاضي بمثل سرقة مال المحكوم له قصاصا حتى مع قطعه بخطأ القاضي، وهذا لا يمكن تفسيره بحجية البينة، إذ البينة لا تكون حجة مع القطع بالخلاف، فلا بد من وجه آخر يدل على نفوذ الحكم وحجيته حتى في هذا الفرض، ولعل ذاك الوجه يدل أيضا على نفوذه بالنسبة للقاضي الثاني لدى الشك بحيث لا يجوز له تجديد النظر ونقض الحكم - على تحقيق وتفصيل في مسألة مدى نفوذ حكم القاضي يبحث عنه في محله -. والواقع أن هنا دليلين آخرين على نفوذ