البينة مقامها أولى.
إلا أن هذا التقريب غير مقبول لدينا مبنى، لما حققناه في علم الأصول من عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الكاشفية، إلا بمعنى يرجع إلى القضية بشرط المحمول بأن يقصد بأخذ القطع موضوعا على وجه الكاشفية أخذ مطلق الكاشف الأعم من التكويني والتعبدي موضوعا.
وعلى أي حال فسواء أخذ بهذا التقريب، أو بالتقريب الذي نقلناه عن صاحب الجواهر (رحمه الله) من التمسك ابتداء بدعوى أولوية العلم من البينة لكونه أقوى منها - يرد عليه: أن أقوائية علم القاضي من البينة قد تؤثر في استظهار حجية لو كان المشرع هو القاضي نفسه، فيقال: إن علمه أقوى لديه من البينة، فإذا جعل البينة حجة فعلمه بطريق أولى، ولكن المشرع هو شخص ثالث نسبة إلى القاضي والبينة على حد سواء وعلم البينة أقوى كشفا (1) لديه من علم القاضي غير المعصوم، لأن علم عدلين أبعد عن الخطأ من علم عدل واحد.
ورأيت في كتاب (فدك) لأستاذنا الشهيد رضوان الله عليه الذي ألفه في عنفوان شبابه الالتفات إلى ما يرجع بروحه إلى هذه النكتة، حيث أورد على الاستدلال لحجية علم القاضي بأقوائية العلم من البينة بقوله:
" وألاحظ أن في هذا الدليل ضعفا ماديا، لأن المقارنة لم تقم فيه بين البينة وعلم الحاكم بالإضافة إلى صلب الواقع، وإنما لوحظ مدى تأثير كل منهما في نفس الحاكم، وكانت النتيجة حينئذ أن العلم أقوى من البينة، لأن اليقين أشد من الظن، وكان حق المقارنة أن يلاحظ الأقرب منها إلى الحقيقة المطلوب مبدئيا الأخذ بها في