السوء لقلت أن للحاكم أن يحكم بعلمه. ولهذا قرر المتأخرون من الفقهاء بالإجماع عدم جواز حكم الحاكم بعلمه " (1) أقول: يقصد صاحب هذا الكلام بالفقهاء فقهاء العامة.
أما فقهاء الشيعة الذين يشترطون العدالة في القاضي فالمشهور بينهم قديما وحديثا هو جواز قضاء القاضي بعلمه كما تقدم.
وبهذا يتم التقريب بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية بأفضل وجه حيث يكون علم القاضي في فرض عدالته كاشفا أمينا عن الواقع في غالب الأحيان، وينضم إلى ذلك في التقريب بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية ما ثبت في فقهنا الشيعي من شرط العدالة في القاضي وفي الشاهد، ذاك الشرط الذي لا يمكن للفقه الوضعي المنبثق من العقل البشري الالتزام به، إذ أن الإنسان المبتعد عن تعاليم السماء ينغمس عادة في الظلم والجور إلى حد لا يفهم لشرط العدالة معنى، وهكذا يتيهون في أسلوب الجمع بين الحقيقة القضائية والحقيقة الواقعية، ويضعون الحجية لقرائن غير مفيدة للعلم، معطين زمام أمر تقييمها ومدى القبول بها بيد قاض لا يشترط فيه العدالة، ولا يعرفون معنى لحجية علم القاضي. أما ما مضى عن الوسيط من عدم نفوذ علم القاضي - بعد القول بأن للخصوم حق مناقشة كل دليل - إذ لو نفذ لزم اتحاد القاضي والخصم فهذا غريب، فإن الخصم بالمعنى الذي ارتكز عقلائيا عدم جواز اتحاده مع القاضي إنما هو الخصم بمعنى من يكون طرفا في النزاع - أي الذي يحكم له أو عليه - لا كل من يناقش الخصوم ما يقدمه من دليل. وجاء في رسالة الإثبات لأحمد نشأت قوله: " لا يصح للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي...
القاضي ليس إلا بشرا كسائر الناس غير معصوم من الخطأ والنسيان، ولا منزها