آخر يعلم أنه ليس بحق فلا يخلو الأمر من أحد فروض ثلاثة: أن تكون وظيفة القاضي القضاء بعلمه، أو القضاء بالبينة أو اليمين على خلاف علمه، أو أن لا يقضي أصلا. والاحتمال الثالث غير موجود فقهيا، والثاني خلاف وجوب القضاء بالحق، فيتعين الأول، وهو القضاء وفق علمه. وبهذا يثبت أنه إذا كانت الحجة جزء للموضوع فليس جزء الموضوع خصوص البينات والأيمان، بل يكفي أيضا علم القاضي.
ويمكن الاعتراض على هذا التقريب بوجهين رئيسيين:
الوجه الأول - ما جاءت الإشارة إليه في كلمات المحقق العراقي (رحمه الله) من أنه قد يكون المراد بمثل الحق والعدل هو الحق والعدل وفق مقاييس القضاء لا الحق والعدل وفق الواقع، وكون علم القاضي من مقاييس القضاء أول الكلام (1).
يبقى أن هذا الاحتمال هل هو بحسب ذاته احتمال يقابل احتمال كون الحق والعدل بلحاظ الواقع، أو أن هذا الاحتمال - لولا شاهد يشهد له - خلاف الظاهر، ولكن والشاهد عليه موجود؟ يحتمل من عبارة المحقق العراقي (رحمه الله) أن لا يرى هذا الاحتمال بحد ذاته قابلا لمقابلة الاحتمال الآخر إلا بلحاظ وجود شاهد عليه، وقد جعل (رحمه الله) الشاهد على ذلك رواية " رجل قضى بالحق وهو لا يعلم... " بتقريب أنه لو كان موضوع القضاء هو الحق الواقعي لا الحق وفق مقاييس القضاء، إذن فقضاء من قضى بالحق وهو لا يعلم صحيح وضعا وتكليفا، ولا عقاب عليه إلا بملاك التجري، فيجب أن نحمل هذا الحديث على عقاب التجري، أو على كون المقصود بالعلم الاجتهاد، فالحديث هو من أحاديث شرط الاجتهاد في القضاء، وكل هذا خلاف الظاهر. وحمل الحق والعدل في الأدلة الأولى على الحق والعدل وفق