كل مخاصمة ولا يفضل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البينة، لأن الحاكم قد يخطأ كما أن البينة قد تخطأ، فهما في شرع الواقع سواء كلاهما مظنة للزلل والاشتباه " (1).
أقول: إذا كان علم القاضي بالقضية علما حسيا لا يبعد دعوى تعدي العرف من نفوذ البينة إلى نفوذ علم القاضي، لأن علم القاضي الحسي أقرب إلى الحقيقة والواقع - أو قل: أقوى في نظر المشرع - من علم القاضي بالبينة، فلا إشكال في أن القاضي حينما يقضي بالبينة يقضي بعلمه بثبوت البينة، ولولا علمه بها لما رتب أثرا عليها كما هو واضح، وعلمه بالبينة القائمة على الواقع أبعد من الواقع من علم القاضي الحسي بالواقع مباشرة - بعد فرض ابعاد احتمال خيانة القاضي -، لأن خطأ الأول له منفذان: أحدهما خطأ علمه بالبينة، والثاني خطأ علم البينة بالواقع، وخطأ الثاني له منفذ واحد وهو خطأ القاضي في علمه بالواقع.
فهذا الوجه قد يدل على نفوذ علم القاضي الحسي لا مطلق علم القاضي.
والتحقيق أن هذه الدلالة أيضا لا تخلو من مناقشة، لعدم وضوح كون هذه الأولوية بمستوى نجزم بنفوذ علم القاضي الحسي، أو نستظهر ذلك من دليل نفوذ البينة، خصوصا وأن من المحتمل كون احتمال خيانة القاضي - ولو نادرا - داخلا في حساب المشرع.
الدليل الثالث - ما جاء في الجواهر في سياق إثباته لحجية علم الإمام في القضاء من الاستدلال بالآيات الدالة على وجوب الحكم بالعدل: كقوله تعالى: * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * (2).