باب الغصب تحريم الغصب معلوم بأدلة العقل، والكتاب، والسنة، والإجماع.
فإذا ثبت ذلك، فالأموال على ضربين، ما له مثل، وما ليس له مثل، فما له مثل، هو الذي يتساوى قيمة أجزائه، مثل الحبوب، والأدهان، والتمور، وغير ذلك، والذي لا مثل له، معناه ما لا يتساوى أجزاؤه، أي لا يتساوى قيمة أجزائه.
فمن غصب شيئا له مثل، وجب عليه رده بعينه، فإن تلف، فعليه مثله، بدليل قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " (1) لأن المثل يعرف مشاهدة، والقيمة يرجع فيها إلى الاجتهاد، والمعلوم مقدم على المجتهد فيه، فإن إعوز المثل، أخذت القيمة، فإن لم يقبض القيمة بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة فيها، كان له المطالبة بالقيمة وقت الإقباض وحينه، لا حين الإعواز، وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز، لأن الذي ثبت في ذمته المثل، بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل، وحكم الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها، وإذا كان الواجب المثل، اعتبر بدل مثله حين قبض المبدل، ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله.
وإذا غصب ما لا مثل له، ومعناه ما قدمناه، كالثياب والرقيق، والأخشاب، والحديد، والرصاص، وغير ذلك، وجب أيضا رده بعينه، فإن تعذر ذلك بتلفه وهلاكه وجبت قيمته، لأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل، لأنه إن ساواه في القدر، خالفه في الثقل، وإن ساواه فيهما، خالفه من وجه آخر، فإذا تعذرت المثلية، كان الاعتبار بالقيمة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه السلام:
" من أعتق شقصا من عبد، قوم عليه " (2) فأوجب عليه السلام القيمة دون المثل.