القواعد من انا وأن نسلم عدم جواز نقض الحكم بعد تحققه على الوجه المعتبر لما قد عرفت من قيام الاجماع عليه إلا انا نقول إن العمل ببينة الداخل في الفرض المزبور ليس نقضا بناء على القول بتقديم بينة الداخل سواء كان من باب الترجيح أو التساقط أو التعبد من جهة الاخبار لان القضاء ببينة الخارج على هذا التقدير ورفع اليد عن مقتضى اليد كان مبنيا على عدم وجود بينة الداخل فإذا فرض وجودها فقد ارتفع موضوع القضاء فعدم العمل ببينة الخارج بعد قيام بينة الداخل ليس نقضا للقضاء لان القضاء في الموضوع الذي وقع عليه لا ينقض أبدا.
وبعبارة أخرى لا يجوز رفع اليد عن مقتضى اليد إلا باليقين أو بالظن الذي أقيم مقامه والظن لا يصير قائما مقامه فعلا ومعتبرا كذلك إلا بعد دفع معارضه ولو بالأصل فاعتبار بينة المدعي في الفرض بحيث يجوز معها رفع اليد عن مقتضى اليد إنما هو بضميمة أصالة عدم المعارض فيكون الحكم بها ظاهريا فإذا كشف وجوده في الواقع تبين ان رفع اليد عن مقتضى اليد كان بما لا يجوز رفع اليد معه عنه واقعا وإن لم يعلم حين الاخذ به وهذا نظير الحكم بمقتضى البينة العادلة من جهة استصحاب عدالتها أو شهادة البينة من جهة استصحاب عدالتها فإنه إذا تبين فسقها بعد الحكم وجب رفع اليد عنه على ما عليه جماعة منهم المصنف في ما سيجئ في باب الشهادات من جهة كونه مبنيا على وجود ما انكشف عدم وجوده.
وبعبارة ثالثة أوضح الحكم وإن كان منجزا دائما إلا أنه يراعى حكم المعلق إذا كان مستنده معلقا بالنظر إلى ذاته كما إذا كان استصحابا أو العمل عليه معلقا كما في الامارات حيث إن العمل بها موقوف على عدم المعارض لها فإذا وجد الدليل على الخلاف في الصورة الأولى والمعارض في الصورة الثانية فقد انقلب موضوع الحكم وهذا لا دخل له بالنقض والحاصل ان كل ما كان وجوده مانعا عن الحكم إذا وجد قبل القضاء فوجوده بعده مانع عن بقاء أثر الحكم هذا محصل ما ذكره دام ظله.
قال الشهيد قدس سره في القواعد بعد ذكر مواضع للتكلم في حكم البينة ما هذا لفظه السادس اقامتها بعد الحكم والتسليم إلى الخارج فيحتمل السماع لان اليد إنما أزيلت لعدم الحجة وهي قائمة الآن ويحتمل عدمه لان القضاء لا ينقض إلا بقطعي ولان الأول صار خارجا (داخلا ظ) انتهى كلامه وهذا كما ترى صريح فيما ذكره الأستاذ العلامة من حيث الابتناء ومبنى السماع هذا.
لكن؟ الحق الحقيق بالمصير إليه هو القول بعدم السماع على تقدير القول بتقديم بينة الداخل لاستلزامه نقض القضاء الذي فرض الفراغ عن اثبات عدم جوازه وأما ما ذكره دام ظله تبعا لما عرفت عن الشهيد رحمه الله بصيرورة القضاء معلقا فلا يكون على تقديره نقضا فمما لا يصلح له.
أما أولا فالبنقض بصورة خروج العين عن يدهما فإنه إذا أقام أحدهما بينة على طبق دعواه فالحكم بها انما هو مبني على عدم وجود المعارض وهي بينة صاحبه فإذا وجد المعارض بعد الحكم فيرفع اليد عن الحكم لكشفه عن وجود ما كان الحكم مبنيا على عدمه حسبما ذكرت في الداخلي والخارج فإن التعليق في الخارج في الفرض إنما جاء من ضميمة الأصل وهي بعينها موجودة في المقام أيضا مع أن أحدا لا يلتزم بهذه المقالة وبالجملة فتح هذا الباب موجب لهدم كثير من القواعد.
لا يقال فرق بين المقامين فإن في صورة وجود البينة لصاحب المدعى في الخارجين قبل الحكم قد يحكم بمقتضى بينة من حكم بمقتضاها في صورة فقدانها كما إذا كانت أرجح فلا نعلم أن مجرد وجود البينة بعد القضاء يرفع العمل بالبينة المحكوم بها وهذا بخلاف المقام.