ودلالته عليه بأحد وجهين.
أحدهما من جهة دلالته على كون بينة المدعي علة تامة لاثبات الحق بها وليس للحاكم بعدها حالة منتظرة للحكم بها فيدل على عدم سماع بينة المنكر في مقابلها وإلا لروعي أحكام التعارض وبعبارة أخرى مقتضى العمومات الأولية وإن كان حجية كل منهما في نفسه ولازمها وقوع التعارض في صورة الاجتماع بمعنى كون كل منهما مقتضيا للحكم بمقتضاه في صورة التعارض وإن كان علة تامة في صورة عدمه إلا أن هناك أخبارا أخص منها تدل على كون بينة المدعي علة تامة مطلقا في صورة التعارض وعدمه ولازمها عدم اعتبار بينة المنكر في مقابلها وكونها كالأصل في جنبها ضرورة ان المقتضى لا يصلح أن يقاوم العلة التامة ويمنع عن تأثيرها وهي تمنع اقتضائه وتصلح له.
ثانيهما من جهة دلالته بالصراحة أو بالظهور على عدم سماع بينة المنكر في مقابل بينة المدعي فالاخبار المانعة طائفتان.
أما ما تدل على المنع من الوجه الأول فهي كثيرة إلا انا نذكر برهة منها فمنها قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار استخراج الحقوق بأربعة وعد منها البينة فإن ظاهره كون الأربعة علة تامة لاستخراج الحق بها.
لا يقال إن البينة فيه أعم فتشمل بينة المنكر أيضا لأنا نقول قد عرفت سابقا ان بينة المنكر كيمينه ليست من المستخرجات بها وإنما هي تدفع مزاحمة المدعي وترفع دعواه.
ومنها ما ورد في جملة من الروايات من أن طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) إذا ترافع إليه خصمان كانت على سؤال البينة من المدعي فإن كان له بينة أنفذ الحكم بها وإلا فيطلب اليمين من المدعى عليه بعد استحلاف المدعي ووجه دلالته على المدعى واضح فإنه لو كانت بينة المنكر أيضا حجة في مقابل بينة المدعي لم يكن وجه لانفاذ الحكم بها مطلقا وإن قال المدعى عليه ان لي بينة أيضا.
لا يقال إن الرواية من مقولة حكايات الأحوال ومن المعلوم أنه إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب - الاجمال وسقطت عن قابلية الاستدلال إذ لا عموم لها في المقال.
وبعبارة أخرى قضاء النبي (صلى الله عليه وآله) في واقعة على النحو المذكور قضية في واقعة لا ظهور لها في المدعى إذا لفعل أمر مشتبه قابل للوقوع على وجوه كثيرة وجهات متعددة فلعل كان حكم النبي (صلى الله عليه وآله) فيها بالنهج المذكور من جهة عدم وجود البينة فيها للمدعى عليه فحكاية هذا الفعل مما لا يجدي في شئ.
لأنا نقول ما قرع سمعك من أن حكايات الأحوال ونقل الأفعال مما لا ظهور لها حتى يصلح للاتكال مما لا دخل له بالمقام إما أولا فلان الرواية ليست من مجرد نقل الفعل بل هي أخبار عن طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) المستمرة في فصله بين الناس ومن المعلوم ان له ظهورا كظهور الأقوال والقول بأنها لعل كانت من جهة عدم وجود البينة للمدعى عليه إنما يصح إذا كانت في واقعة أو وقايع خاصة لا فيما دام العمر وأما ثانيا فلانه فيما إذا لم تكن الحكاية على جهة الاستدلال وأما إذا كانت عليها حسبما هو في الرواية فتنزل منزلة العموم في المقال لتصير بمنزلة الكبرى الكلية فتأمل ومن هنا يمكن التمسك بالرواية على عدم وجوب سؤال الجرح من المنكر وانه هل جارح لما أقامه المدعي من البينة أو لا.
ومنها قوله (عليه السلام) البينة على المدعي واليمين على من أنكر أو على من ادعى عليه بضميمة قوله إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان وقوله أحكام المسلمين على ثلاثة بينة عادلة الحديث إلى غير ذلك فإنه يدل بضميمة