الثاني: أنه جعل الدليل على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، فستر العيوب عن الناس قد جعل طريقا ظاهريا، ومن المعلوم أن جعل الاجتناب الواقعي طريقا مستدرك بعد جعل عدم العلم بالارتكاب طريقا، بل اللازم جعله طريقا من أول الأمر، لأن جعل الأخص طريقا بعد جعل الأعم مستدرك، وهذا كما يقال: إن أمارة العدالة عند الجهل بها الايمان الواقعي، وعلامة الايمان الواقعي عند الجهل به:
الاسلام، فإن جعل الايمان الواقعي (1) طريقا، مستغنى عنه، بل لازم قوله عليه السلام: (حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك) أنه لا يجوز التوصل بالأمارة الأولى وهو الاجتناب الواقعي، لأنه يتوقف على الفحص عن أحواله.
فثبت من جميع ذلك أن أظهر الاحتمالات المتقدمة هو كونه تتمة للمعرف، بأن يجعل المراد بكف البطن والفرج واليد واللسان، كفها عن المعاصي المتبادر من معصية البطن: أكل الحرام، ومن معصية الفرج: الزنا، ومن معصية اليد: ظلم الناس، ومن اللسان: الغيبة والكذب، فيكون ذكره بعد ذكر الكف من قبيل التعميم بعد التخصيص، وعقيب الستر والعفاف من قبيل ذكر الأفعال بعد الصفات النفسانية الموجبة لها.
ويحتمل أيضا أن يراد بالستر: الاستحياء المطلق، وبالعفاف: التعفف عن مطلق المعاصي، وبالكف (الكف) (2) عن مطلق الذنوب، ويكون ذكر الجوارح الأربع لكونها أغلب ما تعصي من بين الجوارح] (3).