الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذا الحال التي تذكر فاني لا أرى لك أن تفعل فقال له الحسين ع يا عبد الله: ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره، ثم قال ع والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرق الأمة ثم سار حتى نزلوا شراف، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا.
التقاؤه بالحر ثم سار منها حتى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه، فقال الحسين ع: الله أكبر، لم كبرت؟ قال: رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه: والله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، فقال لهم الحسين ع فما ترونه؟ قالوا نراه والله أسنة الرماح وآذان الخيل، قال وأنا والله أرى ذلك، ثم قال ع ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقالوا له بلى هذا ذو حسم وهو جبل إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد فاخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا عن الطريق فلما رأونا عدلنا عدلوا إلينا كان أسنتهم اليعاسيب وكان راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه وذلك على مرحلتين من الكوفة وأمر الحسين ع بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم فقال الحسين ع لفتيانه اسقوا القوم وأرووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا أي اسقوها قليلا فاقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها قال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين ع ما بي وبفرسي من العطش قال أنخ الراوية، والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الأخ أنخ الجمل (1) فأنخته فقال اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين ع اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي، وقال الحسين ع للحر أ لنا أم علينا؟ فقال بل عليك يا أبا عبد الله فقال الحسين ع: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكان مجئ الحر من القادسية وكان عبد الله بن زياد بعث الحصين بن تميم وأمره أن ينزل القادسية ويقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين فلم يزل الحر موافقا للحسين حتى حضرت صلاة الظهر فامر الحسين ع الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين ع في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إني لم آتكم حتى اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم فسكتوا فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أ تريد أن تصلي بأصحابك قال لا بلى تصلي أنت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين ع ثم دخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين ع أن يتهيأوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين ع وقام فصلى ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم. فقال له الحر انا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فاخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه، فقال له الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله، فقال له الحسين ع: الموت أدنى إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظر هو حتى ركبت نساؤه، فقال لأصحابه انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين ع للحر:
ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان ولكن ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما أقدر عليه، فقال له الحسين ع فما تريد؟ قال أريد أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فقال إذا والله لا أتبعك، فقال إذا والله لا أدعك، فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد فلعل الله أن يرزقني العافية من أن ابتلي بشئ من أمرك فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية فتياسر الحسين وسار والحر يسايره فقال الحسين ع ان رسول الله ص قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله ص يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله، إلا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وإني بهذا الأمر وقد اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم وانا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله ص ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم ولكم بي أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام فقال له الحر أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين ع:
أ فبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني وسأقول كما قال أخو