عليهم وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسين ع وأصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين ع على وجهه فبادروا وقالوا يا حسين أ لا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة فقال لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون وعن علي بن الحسين ع قال خرجنا مع الحسين ع فما نزل منزلا ولا أرتحل منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وكتب عمرو بن سعيد وهو والي المدينة بأمر الحسين ع إلى يزيد فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت:
- فان لا تزر أرض العدو وتأته * يزرك عدو أو يلومنك كاشح - ثم سار ع حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية وعليها الورس والحلل فاخذ الهدية وقال لأصحاب الجمال من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفينا كراه وأحسنا معه صحبته ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه ما قطع من الطريق فمضى معه قوم وامتنع آخرون فمن فارقه أعطاه حقه ومن سار معه أعطاه كراه وكساه وإنما أخذها لأنها من مال المسلمين ومرجع أمورهم إليه لا إلى يزيد الذي ليس أهلا للخلافة ثم سار ع حتى أتى الصفاح فلقيه الفرزدق الشاعر وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص أنه لقيه ببستان بني عامر قال الفرزدق حججت بأمي سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين ع خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي فاتيته وسلمت عليه وقلت له أعطاك الله سؤالك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت رجل من العرب فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سالت قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الامر من قبل ومن بعد وكل يوم هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته فقلت له أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك وألحق عبد الله بن جعفر الحسين ع بابنيه عون ومحمد وكتب على أيديهما كتابا يقسم عليه فيه بالرجوع ويقول إني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد أمير المدينة فسأله أن يكتب للحسين ع أمانا ويمنيه البر والصلة فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر وجهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول الله ص في المنام وأمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت بها أحدا وما أنا محدث بها أحدا حتى القى ربي عز وجل فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو إلى مكة وسار الحسين ع نحو العراق مسرعا لا يلوي على شئ حتى بلغ وادي العقيق فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني أسد يسمى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها فقال خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية فقال صدق أخو بني أسد إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولما بلغ الحسين ع إلى الحاجر من بطن الرمة كتب كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وذلك قبل أن يعلم بقتل مسلم يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسالت الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكان مسلم بن عقيل قد كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة. فاقبل قيس بكتاب الحسين ع وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسين ع من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن تميم صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة وإلى جبل لعلع قال الناس هذا الحسين يريد العراق فلما انتهى قيس إلى القادسية اعترضه الحصين بن تميم ليفتشه فاخرج قيس الكتاب وخرقه فحمله الحصين إلى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له من أنت قال أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه قال فلما ذا خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال وممن الكتاب وإلى من قال من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم فغضب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك أربا أربا فقال قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم واما سب الحسين وأبيه وأخيه فافعل وكان قصده أن يبلغ رسالة الحسين ع إلى أهل الكوفة فصعد قيس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ص وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية ثم قال أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله ص وأنا رسوله إليكم وقد خلفته بالحاجر فأجيبوه. فامر به ابن زياد فرمي من أعلى القصر فتقطع فمات فبلغ الحسين ع قتله فاسترجع واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ثم قرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم قال جعل الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك إنك على كل شئ قدير. ثم أقبل الحسين ع من الحاجر حتى انتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به فلما رأى الحسين ع قام إليه فقال بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك واحتمله فانزله فقال له الحسين ع: كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله أذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا والله إنها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية وكان عبيد الله بن زياد أمر فاخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحد يخرج وأقبل الحسين ع لا يشعر بشئ حتى لقي الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج فسار تلقاء وجهه وكان زهير بن القين البجلي