ذلك ولكننا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال أنحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك ولا والله لا يراني الله ابدا وأنا أفعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال لا الله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد ص والله لو علمت اني اقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامي دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا وقام زهير بن القين وقال والله يا ابن رسول لوددت اني قتلت ثم نشرت ألف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من اخوانك وولدك وأهل بيتك وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا ووصل الخبر إلى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بان ابنه قد أسر بثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر وابقى بعده فسمع الحسين ع قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال أكلتني السباع حيا إن فارقتك قال فاعط ابنك هذا هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها ألف دينار فحملها مع ولده. وأمر الحسين ع أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الاطناب بعضها في بعض ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم وروى أبو مخنف عن علي بن الحسين زين العابدين ع قال إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها وعمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول (1):
- يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل - - من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل - - وكل حي سالك السبيل * ما أقرب الوعد من الرحيل - - وإنما الأمر إلى الجليل - فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل واما عمتي فإنها لما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت وا ثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين ع فقال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بأبي وأمي تستقل نفسي فداك فرد غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال لو ترك القطا ليلا لنام فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشيا عليها فقام إليها الحسين ع فصب على وجهها الماء حتى أفاقت وقال لها يا أخية اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وان أهل السماء لا يبقون وان كل شئ هالك الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسوله الله ص أسوة.
فعزاها بهذا ونحوه وقال بها يا أخية اني أقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت وفي رواية انها لما سعت الأبيات قالت يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل فقال نعم يا أختاه فقالت زينب وا ثكلاه ينعي إلي الحسين نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب وجعلت أم كلثوم تنادي وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله وقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا قال بعض أصحاب الحسين ع مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين ع يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له برير بن خضير يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين فقال له من أنت ويلك قال انا برير بن خضير فتسابا فلما كان وقت السحر خفق الحسين ع برأسه خفقة ثم استيقظ فقال رأيت كان كلابا قد جهدت لتهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدها على وأظن أن الذي يتولى قتلي رجل أبرص.
صفة القتال وأصبح الحسين ع فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمانية وأربعون راجلا وفي رواية ثمانون راجلا وعن الباقر ع انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وقيل كانوا سبعين فارسا ومائة راجل فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة واعطى رايته العباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك وأصبح ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن الجوشن وعلى الخيل عزرة بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي واعطى الراية دريدا مولاه وجعل على ربع أهل المدينة عبد الله الأزدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن الجحفي وعلى ربع تميم وهمدان الجر بن يزيد الرياحي وأمر الحسين ع بفسطاط فضرب وأمر بحفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وانما