قال بلى قال هذا عهده لعبيد الله على الكوفة فضم يزيد البصرة والكوفة إلى عبيد الله وكتب إليه بعهده وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيد الله معه: اما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فامر عبيد الله بالجهاز من وقته والتهيؤ والمسير إلى الكوفة من الغد.
كتاب الحسين ع إلى أهل البصرة وكتب الحسين إلى رؤساء الأخماس بالبصرة والى أشرافها مع ذراع السدوسي ومع مولى للحسين ع اسمه سليمان ويكنى أبا رزين فكتب إلى مالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس ويزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي ومسعود بن عمر الأزدي بنسخة واحدة اما بعد فان الله اصطفى محمدا ص على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما ارسل به ص وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فاستاثر علينا قومنا فأغضينا كراهية للفرقة محبة للعافية ونحن نعلم انا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وانا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه فان السنة قد أميتت وان البدعة قد أحييت فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد. فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلما حضروا قال يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم فقالوا بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لأمر أريد ان أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه فقالوا إذا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي فقل نسمع فقال: ان معاوية قد مات فأهون به الله هالكا ومفقودا الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت أركان الظلم وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد احكمه وهيهات الذي أراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتامر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدمه فاقسم الله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله ص ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولي بهذا الامر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة وقد كان صخر بن قيس وهو الأحنف انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ص ونصرته والله لا يقصر أحد عن نصرته الا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته وها أنذا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب. فتكلمت بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة الا خضناها وتلقى والله شدة الا لقيناها ننصرك والله بأيدينا ونفديك بدمائنا إذا شئت فافعل.
وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا أبا خالد ان أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك وقد كان صخر بن قيس الأحنف امرنا بترك القتال يوم الجمل فحمدنا رأيه فأمهلنا نراجع الرأي فنأتيك برأينا. وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نوطن ان ظعنت والامر إليك فادعنا نجبك ومرنا نطعك والأمر لك إذا شئت. فقال والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا زال سيفكم فيكم ثم كتب إلى الحسين ع: وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وان الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين ع الكتاب قال: ما لك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم لعطش الأكبر. فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين ع بلغه قتله قبل ان يسير فجزع من انقطاعه عنه.
ومما يلاحظ هنا ان بني حنظلة وبني عامر الذين أجابوا يزيد بن مسعود إلى القيام معه لم يكن في كلامهم كلمة واحدة تدل إلى أن قيامهم لنصرة الحق ولكون الحسين ع إمام حق تجب نصرته والجهاد معه نصرة للدين والحق بل يلوح من كلامهم ان إطاعتهم له لكونه رئيسا لهم فبنو حنظلة لا يخوض غمرة الا خاضوها ولا يلقى شدة الا لقوها وبنو عامر لا يرضون ان غضب ولا يوطنون ان ظعن وهكذا حال أكثر الناس، اما هو فكلامه يدل على معرفته بحق الحسين ع وان قيامه معه لمحض نصرة الحق والدين. وكتب إليه الأحنف: أما بعد فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واما المنذر بن الجارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التي يريد ابن زياد ان يذهب في صبيحتها إلى الكوفة لأن المنذر خاف ان يكون دسيسا من عبيد الله وبئس ما فعل وكانت بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله فاخذ عبيد الله الرسول فصلبه، ثم إنه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف وخرج من البصرة واستخلف عليها أخاه عثمان.
مجئ ابن زياد إلى الكوفة وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي رسول يزيد وشريك بن الأعور الحارثي وقيل كان معه خمسمائة فتأخروا عنه رجاء أن يقف عليهم ويسبقه الحسين ع إلى الكوفة فلم يقف على أحد منهم وسار فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ودخلها ليلا مما يلي النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم فدخلها من جهة البادي في زي أهل الحجاز ليوهمهم أنه الحسين ع والناس قد بلغهم إقبال الحسين ع فهم ينتظرونه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين ع فقالت امرأة الله أكبر ابن رسول الله ص فتصايح الناس وقالوا أنا معك أكثر من أربعين ألفا وأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ع ما ساءه وازدحموا عليه حتى