ينفذ ظاهرا وواقعا وهو نظير التصويب في الاجتهاد، فلو أن شاهدين شهدا زورا عند قاض أن فلانا طلق زوجته وهما يعلمان أن شهادتهما زور ففرق القاضي بينهما فلأحد الشاهدين أن يتزوجها، ولو علم القاضي بعد ذلك ليس له أن يفرق بينهما لكن المدعي بذلك آثم وشهوده آثمون. نقله الطيب في تاريخ بغداد في ترجمة الامام أبي حنيفة وأقره عليه صاحب حاشيته في النسخة المطبوعة.
وقالت الشيعة والامام الرازي والمعتزلة لا يجوز التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه عند وقته وجوزه جمهور الأشاعرة حكاه العضد في شرح مختصر ابن الحاجب.
مذهبهم في الصحابة وقالت الشيعة حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتم الحكم بها بمجرد الصحبة وهي لقاء النبي ص مؤمنا به ومات على الاسلام على ما قال ابن حجر في الإصابة أنه أصح ما وقف عليه في تعريف الصحابي. وإن ذلك ليس كافيا في ثبوت العدالة بعد الاتفاق على عدم العصمة المانعة من صدور الذنب فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا روايته ولزمنا له من التعظيم والتوقير بسبب شرف الصحبة ونصرة الاسلام والجهاد في سبيل الله ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل روايته، أمثال مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وبسر بن أرطاة وبعض بني أمية وأعوانهم ومن جهلنا حاله في العدالة توقفنا في قبول روايته.
وقال ابن حجر في الإصابة: اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. قال: وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم: كنتم خير أمة أخرجت للناس. وكذلك: جعلناكم أمة وسطا. لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. في آيات كثيرة وأحاديث شهيرة على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شئ لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الاسلام القطع على تعديلهم، ثم روي عن أبي زرعة الرازي أنه قال إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ص فاعلم أنه زنديق لأن الرسول حق والقرآن حق وما جاءا به حق وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة اه ثم حكى ابن حجر عن ابن حزم أنه قال: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال الله تعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وقال تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. قال والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة وأورد منها قوله ص الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدى أحدهم ولا نصيفه. خير الناس قرني ثم الذين يلونهم. أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل. إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين اه.
وعن أبي المعالي الجويني أنه قال: إن رسول الله ص نهى عن الكلام فيما شجر بين أصحابه وقال إياكم وما شجر بين صحابتي وقال دعوا إلي أصحابي الحديث السابق وقال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وقال: خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه وقال: وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال: ثم أن تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله ص فيه فمن المروءة أن يحفظ رسول الله ص في زوجته وابن عمته وفي الذي وقاه بيده وما الذي أوجب علينا البراءة من أحد وأي ثواب في ذلك وإن الله تعالى لا يقول للمكلف يوم القيامة لم لم تبرأ من فلان بل قد يقول لم برئت ولو أن إنسانا لم يلعن إبليس طول عمره لم يكن آثما ولو جعل عوض اللعن استغفر الله لكان خيرا له قال: ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة وأولئك قوم كانوا امراء هذه الأمة وقادتها أ ليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله ومن الأدب أن تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها معاوية وقد قال الله تعالى، عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة فكانت هذه المودة مصاهرته ص أبا سفيان فكيف يجوز ذم من جعل الله بينه وبين رسوله مودة على أن جميع ما ينقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت ولم يكن القوم إلا كبني أم واحدة ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع اه.
أقول: دعوى ابن حجر إتفاق أهل السنة على عدالة جميع الصحابة ينافيه تصريح ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضدي في شرحه بنسبة ذلك إلى الأكثر قال وقيل كغيرهم وقيل إلى حين وقوع الفتن فلا يقبل الداخلون من الطرفين اه. وقال الآمدي في الأحكام في أصول الاحكام: اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة وقال قوم ان حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية ومنهم من قال إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم اه.
ومما يمكن أن يذكر في المقام ان النبي ص توفي ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في الإصابة عن أبي زرعة الرازي. وقيل مات ص عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي ومن الممتنع عادة ان يكون هذا العدد في كثرته وتفرق أهوائه وكون النفوس البشرية مطبوعة على حب الشهوات كلهم قد حصلت لهم ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر والإصرار على الصغائر بمجرد رؤية النبي ص والايمان به ونحن نعلم أن منهم من أسلم طوعا ورغبة في الاسلام ومنهم من أسلم خوفا وكرها ومنهم المؤلفة قلوبهم. وما كانت هذه الأمة إلا كغيرها من الأمم التي جبلت على حب الشهوات وخلقت فيها الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكل من بني آدم وقد صح عنه ص إنه قال لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه. ولو