وأمثاله ثالثها ما قيل أن الأصل في المنافع الإباحة.
وأما القسم الثاني من أقسام دليل العقل وهو ما يتوقف على الخطاب فهو أقسام الأول مقدمة الواجب المطلق أو مقدمة ترك المعلوم وجوبه أو حرمته سواء أ توقف عليه وجوده أم لا كالطهارة للصلاة وقطع المسافة للحج أو العلم بوجوده كتكرير الصلاة عند اشتباه الفائتة أو اشتباه القبلة أو العلم بنجاسة أحد الثوبين المنحصر فيهما الساتر وغسل زيادة على الحد في الوضوء والغسل الترتيبي وستر أقل الزائد على العورة وستر شئ من الوجه للمرأة في الصلاة وترك الإنائين المعلوم نجاسة أحدهما واشتبها وتسمى هذه بالمقدمة العلمية وإنما وجبت لأن العلم بالتكليف حاصل فيلزم الخروج من عهدته ولا يحصل العلم بالخروج إلا بذلك والحاكم بذلك العقل الثاني استلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده كما يستدل على بطلان الواجب عند مزاحمته لواجب مضيق متعلق بحق الله تعالى أو بحق آدمي فيقال ببطلان الصلاة في الوقت الموسع عند ترك إزالة النجاسة عن المسجد المضيق وجوبها وببطلانها كذلك عند ترك أداء الدين المطالب به.
الثالث لحن الخطاب وهو ما استفيد من المعنى ضرورة كقوله تعالى: إن اضرب بعصاك الحجر فانفلق. أي فضرب به فانفلق.
الرابع فحوى الخطاب وهو أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم كقوله تعالى: ولا تقل لهما أف. فيحكم العقل بحرمة الضرب من حرمة التأفيف.
الخامس دليل الخطاب ويسمى بالمفهوم كمفهوم الشرط والوصف والعدد والغاية والحصر وفيه كلام وخلاف محرر في الأصول. والمتأخرون على القول به أدخلوه في دلالة اللفظ دون العقل.
السادس تزاحم الواجبين والمحرمين والواجب والمحرم فيحكم العقل بتقديم المعلوم أهميته من العقل أو الشرع كتزاحم حرمة قطع الصلاة أو وجوبها مع وجوب انقاذ الغريق وحرمة استقبال القبلة عند التخلي مع حرمة كشف العورة وحرمة لمس بدن الأجنبية مع انقاذها من الغرق أو الحرق أو تطبيبها إلى غير ذلك، ومع عدم العلم بالأهمية بالتخيير.
أما الاستصحاب فاعتبر جماعة من قدماء الشيعة حجيته بالعقل فيدخل في الأدلة العقلية المتوقفة على الخطاب وهو المسمى باستصحاب حال الشرع كالمتوضئ يشك في انتقاض وضوئه. والذي استقرت عليه الكلمة في هذا العصر أن حجيته بدلالة الأخبار فلا يكون من الأدلة العقلية.
وأما القياس وهو الحاق الفرع بالأصل لجامع بينهما كالحاق النبيذ بالخمر في النجاسة وحرمة الشرب وإيجاب الحد بجامع الاسكار وكإلحاق القتل بالمثقل بالقتل بالمحدد بجامع شدة التأثير فهو ليس بداخل في حكم العقل عند الشيعة إذا كانت العلة مستنبطة أما إذا كانت منصوصة فالأكثر على الحجية كما إذا ورد حرمت الخمر لاسكارها. وورد عن أئمة أهل البيت لا سيما عن الإمام جعفر الصادق إنكار العمل بالقياس ويحكى عن الحسن بن أبي عقيل العماني من قدماء علماء الشيعة في أوائل المائة الرابعة أنه عمل بالقياس. قال المحقق في المعتبر أما القياس فلا يعتمد عليه عندنا لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي عنه ودعوى الاجماع من الصحابة على العمل به لم تثبت بل أنكره جماعة منهم اه.
وأما الاستحسان وعرفوه بأنه دليل ينقدح في ذهن الفقيه يعجز عن التعبير عنه وقيل في تعريفه عبارات أخرى كثيرة لا حاجة بنا إلى نقلها فهو أيضا ليس بحجة عند الشيعة.
وأما المصالح المرسلة وهي مصالح لا يشهد لها أصل بالاعتبار في الشرع فلا معول عليها عند الشيعة ما لم ينص عليه الشرع أو يحكم بها العقل.
ما انفردت به الشيعة الإمامية في أصول الفقه قد عرفت أن أدلة الفقه عند الشيعة أربعة الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل كما هي عند أهل السنة. ولكن الاجماع عند الشيعة ليس حجة بنفسه بل إما لدخول المعصوم في المجمعين أو لكشفه عن رأيه من باب استكشاف قول الرئيس بقول اتباعه أو عن وجود دليل معتبر، فهو في الحقيقة داخل في السنة.
ودليل العقل عند الشيعة لا يدخل فيه القياس والاستحسان والمصالح المرسلة فكل ذلك ليس حجة عندهم كما مر. وقال بحجية القياس أصحاب المذاهب الأربعة وأكثر الفقهاء. ولعدم عمل الشيعة بالقياس لم تنتشر الأقوال ولم تكثر في مسائل الفقه عندهم مع فتحهم باب الاجتهاد لعدم عملهم بهذه الثلاثة ولولا سد باب الاجتهاد عند غيرهم لانتشرت الأقوال انتشارا عظيما فسده عند غيرهم كان أقرب إلى المصلحة. ووافق الشيعة في عدم العمل بالقياس النظام وجماعة من معتزلة بغداد كيحيى الإسكافي وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب ووافقهم أيضا غير هؤلاء ممن لم تحضرنا أسماؤهم حال التحرير.
وأما الاستحسان فقال به أصحاب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأنكره الباقون حتى نقل عن الشافعي أنه قال: من استحسن فقد شرع ذكره الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في المنتهى.
وأما المصالح المرسلة فنقل عن مالك القول بها وأنكرها باقي الفقهاء كما في الأحكام للآمدي.
مذهب الشيعة في اجتهاد المجتهد مذهبهم أنه ليس كل مجتهد مصيب بل لله في كل واقعة حكم أصابه من أصابه واخطاه من اخطاه فإن لم يكن المجتهد مقصرا في اجتهاده فأخطأ فهو معذور.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وأبو الهذيل العلاف والجبائي وابنه وهم رؤساء المعتزلة: المسائل الظنية من الفقهيات التي ليس فيها نص كل مجتهد فيها مصيب وإن حكم الله فيها لا يكون واحدا بل هو تابع لظن المجتهد وقال آخر: المصيب فيها واحد ومن عداه مخطئ. ومنهم من نقل عنه القولان التخطئة والتصويب كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل والأشعري، نقل ذلك كله الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في المنتهى.
مذهبهم في حكم الحاكم أنه ينفذ ظاهرا في فصل الخصومات ما لم يعلم فساده بمعنى أنه لا يجوز نقضه ولا الرد عليه وليس بنافذ واقعا وعلى كل حال فمن علم أن دعواه باطلة ليس له أخذ الحق وإن حكم به الحاكم وإن اخذه فهو آثم ومن أقام شاهدي زور على طلاق امرأة فحكم به الحاكم ليس له أن يتزوجها، وإذا علم الحاكم بذلك وجب عليه نقض الحكم، وقال الإمام أبو حنيفة