بمتصور كما مر في الأمر الثاني ولذلك اختلفت فيه الأنظار والآراء حتى زعم الحنابلة قدم الأصوات والحروف والأشعري جواز سماع الكلام القديم ومنعه الأسفرايني وأبو منصور. وأنكر الشيعة والمعتزلة الكلام النفسي وفيهم فحول العلماء وقال به الأشاعرة على كثرتهم وكثرة العلماء فيهم فمثل هذه المسألة هل يمكن أن يكون الإذعان والتصديق بها من شرائط الاسلام والايمان أو أركانه ويكلف بذلك الأعراب والعوام بحيث يكفر منكرها مع كون جل من يقول بها لا يخرج عن التقليد. إن هذا مناف للعقل والعدل.
الرابع إنه تعالى منزه عن المكان والجهة لأنهما من لوازم الجسمية المقتضية للحدوث ويحكى عن الكرامية إنه من جهة الفوق.
الخامس إنه تعالى يستحيل عليه الرؤية بالبصر في الدنيا والآخرة ووافقهم على ذلك المعتزلة لأن الرؤية تستلزم الكم والكيف من الطول والقصر واللون وغيرها والوجود في جهة دون جهة وكل ذلك من لوازم الحدوث. وقالت الأشاعرة إن رؤيته تعالى بالبصر جائزة في العقل ممكنة في الدنيا والآخرة واجبة بالنقل في الآخرة فيرى بلا كيف لا في مكان ولا على جهة مقابلة ولا اتصال شعاع ولا ثبوت مسافة بين الرائي وبينه تعالى.
وبعضهم يقول إن النبي ص رآه ليلة المعراج قال شاعرهم:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا - فقال بعض المعتزلة:
- لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة حمر لعمري مؤكفه - - قد شبهوه بخلقه وتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفه (1) - - الوحي والتنزيل أعظم شاهد * فيما أقول بلا ولن والقدقفة (2) - - وتكيف المرئي أمر لازم * فتبين القول الصحيح من السفه - السادس إثبات الحسن والقبح العقليين قالت الامامية والمعتزلة العقل يحكم بان في الأشياء ما هو حسن بمعنى أن فاعله يستحق على فعله المدح عاجلا والثواب آجلا وفيها ما هو قبيح يستحق فاعله الذم عاجلا والعقاب آجلا فالحسن حسن بنفسه والقبيح قبيح في نفسه سواء أحكم الشارع بذلك أم لا.
وقالت الأشاعرة ليس في العقل ما يدل على الحسن والقبح بهذا المعنى بل في الشرع فما حسنه فهو الحسن وما قبحه فهو القبيح.
السابع قالت الامامية والمعتزلة والزيدية إن الأفعال الصادرة من العبد و صفاتها كلها واقعة بقدرة العبد واختياره وإنه ليس بمجبور على أفعاله بل هو فاعل بالاختيار وله ان يفعل وله ان لا يفعل.
وقال أبو الحسن الأشعري ومن تابعه إن الافعال كلها واقعة بقدرة الله تعالى وإنه لا فعل للعبد أصلا وقال بعض الأشعرية ذات الفعل من الله والكسب من العبد وفسروا الكسب بأنه كون الفعل طاعة أو معصية وقال بعضهم معناه إن العبد إذ عزم على الشئ خلق الله الفعل عقيبه وقال سعد الدين التفتازاني في شرح العقائد النسفية صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب وإيجاد الله تعالى عقيب ذلك خلق.
الثامن استحالة القبيح عليه تعالى قالت الامامية والمعتزلة يستحيل عليه تعالى فعل القبيح وقالت الأشاعرة هو فاعل الكل الحسن والقبيح قال التفتازاني في شرح العقائد النسفية إن قيل كيف كان كسب القبيح قبيحا سفها موجبا لاستحقاق الذم والعقاب بخلاف خلقه قلنا لأنه قد ثبت ان الخالق حكيم لا يخلق شيئا إلا وله عاقبة حميدة وإن لم نطلع عليها فجزمنا بان ما نستقبحه من الأفعال قد يكون له فيها حكم ومصالح كما في خلق الأجسام الخبيثة الضارة بخلاف الكسب فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل القبيح اه.
التاسع استحالة تكليف ما لا يطاق. قالت الامامية والمعتزلة يستحيل عقلا أن يكلف الله تعالى بما لا يطاق لأنه قبيح وقالت الأشاعرة إن ذلك ليس بمستحيل عقلا ولا قبيح لكنه غير واقع وهذا بناء على إنكارهم الحسن والقبح العقليين.
العاشر إن أفعاله تعالى معللة بالعلل والأغراض قال به الإمامية والمعتزلة لئلا يكون عابثا وقالت الأشاعرة إنه تعالى لا يفعل لغرض وإلا لكان ناقصا مستكملا بذلك الغرض.
الحادي عشر عصمة الأنبياء ع قالت الشيعة: إن الأنبياء معصومون عن الذنوب من الكفر والصغائر والكبائر بعد البعثة وقبلها عمدا وسهوا والمحكي عن أكثر المعتزلة موافقتهم على ذلك لكن السيد المرتضى حكى عن المعتزلة خلاف ذلك وإن كان أخيرا أرجع أقوال المعتزلة إلى قول الشيعة كما ستعرف وما ورد في الكتاب العزيز والاخبار مما يوهم صدور الذنب منهم فمحمول على ترك الأولى جمعا بين دلالة العقل وصحة النقل مع أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه وألف الشريف المرتضى علم الهدى في ذلك كتابا سماه تنزيه الأنبياء والأئمة وصنف في ذلك غيره أيضا.
قال المرتضى في الكتاب المذكور: اختلف الناس في الأنبياء ع فقالت الشيعة الإمامية لا يجوز عليهم شئ من المعاصي والذنوب كبيرا كان أو صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها وجوز أصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوة ومنهم من جوز ذلك في حال النبوة بشرط الاستتار دون الاعلان ومنهم من جوز على الأحوال كلها ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء ع قبل النبوة وفي حالها وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي الاقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد ومنهم من منع ذلك وقال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل وحكى عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممن تبعهما إن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو والغفلة وإنهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعا عن أممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم ثم قال واعلم أن الخلاف بيننا وبين المعتزلة في تجويزهم الصغائر على الأنبياء ص يكاد يسقط عند التحقيق لأنهم إنما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب وإنما يكون حظه تنقيص الثواب على اختلافهم أيضا في ذلك لأن أبا علي الجبائي يقول إن الصغير يسقط عقابه بغير موازنة فكانهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب وهذه موافقة للشيعة في المعنى لأن الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء ع جميع المعاصي من حيث كان كل شئ منها يستحق به فاعله الذم