منعت رؤية النبي ص من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل من جماعة منهم كعبد الله بن جحش وعبيد الله بن خطل وربيعة بن أمية بن خلف والأشعث بن قيس (1) وغيرهم. هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج على أئمة العدل وشق عصا المسلمين وقتل النفوس المحترمة وسلب الأموال المعصومة والسب والشتم وحرب المسلمين وغشهم والقاح الفتن والرغبة في الدنيا والتزاحم على الإمارة والرياسة وغير ذلك مما كفلت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين. وأعمال مروان بن الحكم في خلافه عثمان معلومة مشهورة وكذلك بسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وكلهم من الصحابة.
وحمل ذلك كله على الخطا في الاجتهاد لا يقبله عاقل ويشبه خدعة الصبي عن اللبن ويفتح باب العذر لكل من يريد ارتكاب أمثال ذلك وما الذي سوع الاجتهاد لأولئك في قتل النفوس ونهب الأموال والقاح الفتن مقابل النص وحظره على من بعدهم وكيف يقبل عقل عاقل ان يكون سل السيف في وجه علي بن أبي طالب يوم صفين وقتل الألوف من المسلمين وسبه على المنابر السنين المتطاولة وقتل من لا يتبرأ منه وإعطاء الجوائز العظام وتولية الولايات لمن يختلق حديثا في ذمه وإعطاء مصر طعمة للمعونة على حربه وإفساد أمره ومعاونة عمرو له وقوله: حرك لها حوارها تحن. وخداعه لأبي موسى الأشعري يوم الحكمين وخلع أبي موسى عليا وقد بايعه المهاجرون والأنصار وقول معاوية لأهل الكوفة لما ملكها ما قاتلتكم لتصوموا وتصلوا انكم لتفعلون ذلك وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، ونقضه ما شرطه للحسن و عدم وفائه له وغدر أهل الجمل بعثمان بن حنيف الأنصاري الصحابي ونتفهم شعر لحيته وشاربيه وحاجبيه وإرادتهم قتله والإتيان بأربعين شاهدا يشهدون لأم المؤمنين إن هذا ليس ماء الحوأب إلى غير ذلك مما يضيق عنه نطاق البيان كان كله اجتهادا مخطئا صادرا عن حسن نية وصفاء قلب وإرادة المصلحة للمسلمين. إن هذا ما لا يكون وهو إلى أن يكون سخرية وخداعا أقرب منه إلى أن يكون حقيقة. بل هم كغيرهم من الناس من لدن آدم إلى يومنا هذا فيهم التقي المخلص الذي هو في درجة عالية من التقوى والكمال وفيهم المتوسط وفيهم من هو دون ذلك ولم يخلقهم الله تعالى خلقا خاصا لا يشاركهم فيه غيرهم.
ومما يدل على مساواتهم لغيرهم في الطباع وإن انفردوا بشرف الصحبة ما حدث مرارا عند مجئ العير من الشام إلى المدينة فترك الأكثر النبي ص وهو يخطب يوم الجمعة وخرجوا إلى العير حتى عاتبهم الله تعالى بقوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها الآية في الكشاف: فما بقي معه إلا يسير قيل ثمانية وقيل أحد عشر وقيل أربعون وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبول والتصفيق فهو المراد باللهو قال وعن قتادة فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل مقدم عير اه. ومما يدل على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق صاحب المغازي وغيره ان رسول الله ص نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم وقال من لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة أ نقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق، وأبو حذيفة كان مسلما من الصحابة وأبوم قتله حمزة ببدر. واستقصاء أمثال ذلك يطول أمره وقد استفاض عنه ص إنه قال كثرت علي الكذابة أو القالة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
أما الآيات التي أستدل بها لذلك فكون الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس لا يدل على ذلك بشئ من الدلالات إذ يكفي في كونها خير أمة وجود قوم فيها لا يوجد مثلهم في الأمم السابقة ولو دل ذلك على عدالة جميع الأمة وقداستها لدل على نفي النفاق والارتداد عنها ولدل على عدالتها في كل زمان لشمول خطاب المشافهة للغائبين حقيقة أو حكما كما قرر في الأصول وقد قال أحد أئمة أهل البيت ع كيف تكون خير أمة قتلت ابن بنت نبيها، على إنه لو سلم الشمول لجميع الأمة فالعقل والنقل يخصص ذلك بمن لم يصدر منهم ما يزيد قبحه على ما صدر من الأمم السالفة ومثله جعلهم أمة وسطا.
أما آية بيعة الرضوان فلا عموم فيها فمن العجيب الاستدلال بها مع أن تخصيص العام شائع واستعمال الجمع في المفرد كثير كما في آية إنما وليكم الله الآية واشتراط عدم صدور المنافي للمدح وسلامة العاقبة ثابت بالعقل والنقل وبقوله تعالى في تلك الآية ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وكذا الكلام في باقي الآيات على إنه قد نزل الذم في حق مشركي قريش الذين جعلوا ربح العير لحرب رسول الله ص بقوله تعالى إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، مع أن أكثرهم أسلموا بعد ذلك وصاروا من الصحابة. فكما إن هذا الذم مشروط بالبقاء على الشرك كذلك هذا المدح مشروط بسلامة العاقبة بغير فرق. وأما ما حكاه عن أبي زرعة فعلى إطلاقه غير مسلم فانتقاص من ظهرت منه معاندة الله ورسوله وغش الاسلام والمسلمين هي محض الإيمان وأما تعليله بان الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق الخ ففيه إن من لا يقبل في تأدية ذلك إلا أقوال الثقات العدول لا يريد إبطال الكتاب والسنة بل الذي يقبل في ذلك قول كل أحد ويزعم أن مائة وأربعة عشر ألفا كلهم عدول ويأخذ دينه عن أي واحد كان منهم مع ظهور المعاصي من بعضهم هو الذي يريد إبطال الكتاب والسنة وجرح شهود المسلمين. اما آية لا يستوي منكم الآية فلا تدل على أكثر من إنه تعالى وعد المنفقين أموالهم والمجاهدين بالحسنى وذلك مشروط بالتقوى وإخلاص النية إنما يتقبل الله من المتقين.
إنما الأعمال بالنيات. ولكل امرئ ما نوى. ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو مال يصيبه فهجرته إلى ما هاجر إليه والآية الثانية تدل على إن من سبقت له من الله الحسنى أي كان مطيعا لله أو شمله عفو الله فهو مبعد عن النار فأين هذا من المطلوب. أما حديث: الله الله في أصحابي الخ فبعد تسليم سنده والغض عن أمثال هذه الأحاديث التي رويت في عهد بني أمية لأغراض خاصة وبذلت عليها الأموال ووليت الولايات والغض عن أن الاستدلال به دوري لانتهاء سنده إلى من يجب النظر في عدالته وعدمها.
فيه أن لفظ أصحابي وإن كان ظاهره العموم إلا إنه مخصص بمن لم يعلم منه مخالفة الرسول ص وغش الاسلام والمسلمين فهؤلاء لا يعقل ان يوصي بهم النبي ص بقول من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم لأنه لا يحب من أبغضه الله وكون جميعهم ليس فيهم هذه الصفة