صبر أصحاب الحسين ع تقدم الحصين إلى أصحابه أن يرشقوا أصحاب الحسين ع بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وبقي الحسين ع وليس معه فارس. وحمل شمر بن ذي الجوشن في أصحابه على أصحاب الحسين ع فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين ع فكشفوهم عن البيوت وقتلوا منهم وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين إلى مواضعهم وكان يقتل من أصحاب الحسين ع الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم. وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ع فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله، فصاحت النساء وخرجن، وصاح الحسين ع أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار، فقال حميد بن مسلم أ تقتل الولدان والنساء والله أن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك، فلم يقبل، فاتاه شبث بن ربعي فقال أ فزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا وانصرف واشتد القتال بينهم، ولم يقدروا ان يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين ع يتخللون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوض وينهب فيرمونه عن قريب فيصرعونه فيقتلونه فقال ابن سعد أحرقوها بالنار فأحرقت، فقال لهم الحسين ع دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم فكان كما قال وحضر وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي للحسين ع يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله ولا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن القى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين ع رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ص وتقبل منكم يا خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على حبيب فقتل رجلا منهم وقال الحسين ع لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين ع سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلى الحسين ع وأصحابه فرادى بالايماء وتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثير الصلاة ثم جعل يرتجز ويقول:
- أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا * وشيخك الحبر عليا ذا الندى - - وحسنا كالبدر وافى الأسعدا * وعمك القرم الهمام الأرشدا - - حمزة ليث الله يدعى أسدا * وذا الجناحين تبوأ مقعدا - - في جنة الفردوس يعلو صعدا - فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه فكان آخر من بقي من أصحاب الحسين ع وخرج زهير بن القين وهو يرتجز ويقول:
- أنا زهير وأنا ابن القين * أذودكم بالسيف عن حسين - - إن حسينا أحد السبطين * من عترة البر التقي الزين - - ذاك رسول الله غير المين * أضربكم ولا أرى من شين - - يا ليت نفسي قسمت قسمين - فقاتل قتالا شديدا حتى قتل جماعة فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه فقال الحسين ع حين صرع زهير لا يبعدك الله يا زهير وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى بني شاكر فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله ص حتى أقتل قال ذلك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبد الله فان هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب وتقدم شوذب فقال السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ثم قاتل حتى قتل وتقدم عابس فقال يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشئ أعز من نفسي ودمي لفعلت السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله إني على هداك وهدى أبيك ثم مضى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه وكان من أشجع الناس وأخذ ينادي أ لا رجل لرجل فتحاماه الناس لشجاعته فقال لهم ابن سعد أرضخوه بالحجارة فرموه بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد على الناس فهزمهم بين يديه قال الراوي فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه وبرز حبيب بن مظاهر الأسدي فقاتل قتالا شديدا فقتل رجلا من بني تميم اسمه بديل بن صريم وحمل عليه آخر من تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فهد مقتله الحسين ع وقال عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي وقال الحصين للتميمي أنا شريك في قتله قال لا والله قال أعطني الرأس أعلقه في عنق فرسي ليرى الناس إني شاركتك في قتله ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك ابن زياد فأعطاه الرأس فجال به في الناس ثم رده إليه فلما رجع إلى الكوفة علقه في عنق فرسه، فلينظر الناظر إلى أي درجة بلغت رداءة النفوس وسقوطها بهؤلاء القوم وكان لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق فجعل يتبع الفارس الذي معه رأس أبيه فارتاب به فقال ما لك تتبعني قال إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي فاعطني إياه حتى أدفنه فقال إن الأمير لا يرضى أن يدفن وارجو أن يثيبني فقال لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب وبكى الغلام ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعد ما أدرك حتى قتله وأخذ بثار أبيه وذلك أنه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار فقتله وأخذ رأسه وخرج جنادة بن الحارث السلماني وكان خرج بعياله وولده إلى الحسين ع فقاتل حتى قتل فلما قتل أمرت زوجته ولدها عمر وهو شاب ان ينصر الحسين ع فقالت أخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله فخرج واستاذن الحسين فقال الحسين ع هذا شاب قتل