ثم حمل على الميسرة وهو يقول:
- انا الحسين بن علي * آليت ان لا انثني - - احمي عيالات أبي * امضي على دين النبي - وخرج غلام من خباء من أخبية الحسين ع وهو محمد بن أبي سعيد بن عقيل وفي أذنيه درتان فاخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله فصارت امه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة ونادى الحسين ع هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ص هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فاتي بابنه عبد الله وامه الرباب بنت امرئ القيس فاخذه وأجلسه في حجره وأومأ إليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما أملأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل به انه بعين الله ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته وفي رواية انه حفر له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه وعطش الحسين ع حتى اشتد عليه العطش فدنا ليشرب من الماء فرماه الحصين بن تميم بسهم فوقع في فمه الشريف فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء وحمل القوم على الحسين ع فغلبوه على معسكره وقد اشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني أبان بن دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء فحالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين ع اللهم اظمئه. وفي رواية اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع الحسين ع السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به نحو السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ثم إن الحسين ع عاد إلى مكانه وقد اشتد به العطش واقبل شمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين ع وضربه على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل قلنسوة فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دما ثم القى البرنس أو القلنسوة ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة أخرى فلبسها واعتم عليها وأخذ الكندي البرنس وكان من خز فلما قدم على أهله اخذ يغسل عنه الدم فقالت له امرأته أ سلب ابن رسول الله يدخل بيتي أخرجه عني ورجع شمر ومن معه عن الحسين ع إلى مواضعهم فمكثوا هنيهة ثم عادوا إليه فاخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به فخرج عبد الله بن الحسن بن علي ع من عند النساء وهو غلام لم يراهق فلحقته زينب بنت علي ع لتحبسه فقال لها الحسين ع أحبسيه أختي فامتنع عليها امتناعا شديدا وجاء يشتد إلى عمه الحسين حتى وقف إلى جنبه وقال: لا أفارق عمي، فاهوى أبجر ابن كعب إلى الحسين ع بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي؟!
فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة، فنادى الغلام يا عماه أو يا أماه فاخذه الحسين ع فضمه إلى صدره وقال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله ص وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين، فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه.
ولما بقي الحسين ع في ثلاثة أو أربعة من أصحابه وفي رواية رهط من أهله قال ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فاتي بتبان قال لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ولا ينبغي لي أن ألبسه وفي رواية أنه قال هذا لباس أهل الذمة فاخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه وفي رواية انه أتى بشئ أوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه ثم استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يلبسها بعد قتله فلما قتل سلبها منه أبجر بن كعب وتركه مجردا وأقبل الحسين ع على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا قال بعض الرواة فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جاشا ولا امضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكلموا ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فلما رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بازائه وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله فصاح الحسين ع ويلكم يا شيعة آل سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة فقال أقول إني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفؤ كريم فقصدوه بالحرب وجعل شمر يحرضهم على الحسين ع والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى اجلوه عنه ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عن فرسه على الأرض على خده الأيمن ثم قام وخرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه وقد دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر: أ يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم يجبها بشئ فنادت ويلكم أ ما فيكم مسلم، فلم يجبها أحد بشئ وقاتل ع راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول: أ على قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله، الله اسخط عليكم لقتله مني وأيم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون اما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم ولم يزل يقاتل حتى أصابه اثنان وسبعون