جئت في حاجة فلا أرجعن خائبا اشفع لنا عند محمد فقال لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع ان نكلمه فيه فطلب إلى فاطمة ان تأمر بنيها الحسن فيجير بين الناس فقالت ما بلغ ببني ان يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد فقال يا أبا الحسن اني ارى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين الناس قال أ وترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام في المسجد وقال أيها الناس اني قد اجرت بين الناس وانطلق فسألته قريش فقال كلمت محمدا فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين وقد أشار علي بشئ صنعته ما أدري يغنيني شيئا أم لا امرني ان أجير بين الناس قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ما زاد على أن لعب بك.
هذه رواية الطبري وقال المفيد ان عمر دفعه بغلظة كادت ان تفسد الرأي على النبي ص وقال إنه كان عند علي فاطمة والحسن والحسين وانه طلب منها ان يجير ابناها بين الناس فقالت ما بلغ بهما أن يجيرا بين الناس ثم قال المفيد وكان الذي فعله أمير المؤمنين بأبي سفيان من أصوب رأي لتمام أمر المسلمين وأصح تدبير وتم به لرسول الله ص في القوم ما تم ألا ترى انه صدق أبا سفيان عن الحال ثم لان له بعض اللين حتى خرج عن المدينة وهو يظن أنه على شئ فانقطع بخروجه على تلك الحال مواد كيده التي يتشعث بها الأمر على النبي ص وذلك أنه لو خرج آيسا كما آيسه الرجلان لتجدد للقوم من الرأي في حربه ع والتحرز منه ما لم يخطر لهم ببال إذا جاءهم أبو سفيان وأخبرهم بذلك وإن أقام بالمدينة على التمحل لتمام مراده بالاستشفاع إلى النبي فيتجدد بذلك أمر يصد النبي عن قصد قريش أو يثبطه عنهم تثبيطا يفوته معه المراد وكان التوفيق من الله تعالى مقارنا لرأي أمير المؤمنين ع فيما رآه من تدبير الأمر مع أبي سفيان حتى انتظم بذلك للنبي ص من فتح مكة ما أراد اه وقال المفيد أيضا وكان النبي ص قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك فكتب حاطب بن أبي بلتعة وكان من أهل مكة وقد شهدا بدرا إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله ص على فتحها واعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم من أهل مكة سماهم لها وأمرها ان تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على رسول الله ص بذلك فاستدعى أمير المؤمنين ع وقال له ان بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وسلها وصر به إلي ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له امض مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه فمضيا واخذا على غير الطريق فادركا المرأة وسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرته وحلفت انه لا شئ معها وبكت فقال الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله ص لنخبره ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين ع يخبرني رسول الله ان معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت إنه لا كتاب معها ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال اما والله ان لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك فقالت له إن كان لا بد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فاخذه أمير المؤمنين وصار به إلى النبي ص فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا ثم صعد المنبر واخذ الكتاب بيده وقال إن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب والا فضحه الوحي فلم يقم أحد فأعاد مقالته ثانية فقام حاطب وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال أنا يا رسول الله صاحب الكتاب وما أحدثت نفاقا بعد اسلامي ولا شكا بعد يقيني قال فما حملك على ذلك قال إن لي أهلا بمكة وليس لي بها عشبرة فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي ويدا لي عندهم فقال عمر يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق فلم يقبل رسول الله وقال إنه من أهل بدر أخرجوه من المسجد فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي ص ليرق عليه فامر رسول الله ص برده فقال له قد عفوت عنك وعن جرمك فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جنيت قال المفيد وهذه المنقبة لاحقة بما سلف من مناقبه وفيها انه به تم لرسول الله ص التدبير في دخول مكة وكفي مؤونة القوم وما كان يكرهه من معرفتهم بقصده إليهم حتى فجأهم بغتة ولم يثق في استخراج الكتاب من المرأة الا بأمير المؤمنين ولا استنصح في ذلك سواه ولا عول على غيره وكان به ع كفايته المهم وبلوغه المراد وانتظام تدبيره وصلاح أمر المسلمين ولم يكن في انفاذ الزبير معه فضل يعتد به لأنه لم يكف مهما ولا أغنى بمضيه شيئا وانما انفذه رسول الله ص لأنه في عداد بني هاشم من جهة أمه صفية بنت عبد المطلب وكانت للزبير شجاعة وفيه اقدام وكان تابعا لأمير المؤمنين ع ووقع منه ما لم يوافق صواب الرأي فتداركه أمير المؤمنين ع وفيما شرحنا في هذه القصة بيان اختصاص أمير المؤمنين ع من المنقبة والفضيلة بما لم يشركه فيه غيره ولا داناه سواه بفضل يقاربه فضلا عن أن يكافئه والله المحمود اه وكان ممن لقي النبي ص في الطريق ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة لأبيها فاستاذنا عليه فاعرض عنهما. فتوسطت امرهما أم سلمة رضوان الله عليها بأسلوبها الرقيق البديع فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك فقال لا حاجة لي بهما اما ابن عمي فهتك عرضي وكان يهجو رسول الله ص وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني قوله والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون ان الله أرسلك. والنبي ص انما أراد بهذا تأديبهما وتقويمهما والا فهو أرأف واتقى من أن يرد من جاءه مسلما فعادت أم سلمة إلى استعطافه ولم يمنعها ذلك من معاودة الكلام فقالت له: لا يمكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك فقال أبو سفيان والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا فرق لهما النبي ص فدخلا عليه وأسلما. وهنا أخذت عليا ع عاطفة الخير والدين والرحم فقال لأبي سفيان ائت من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا فقال له ص لا تثريب عليكم اليوم الآية وانما امره ان يأتيه من قبل وجهه ليرى ذله و انكساره فيزداد عطفه عليه ودخل رسول الله ص مكة من أعلاها. قال المفيد في موضعين من ارشاده حاصل ما فيهما ان النبي ص اعطى الراية يوم الفتح سعد بن عبادة وأمره ان يدخل مكة أمامه فغلظ سعد على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ودخل وهو يقول:
- اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة - فسمعها العباس فقال للنبي ص أ ما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد بن عبادة واني لا آمن ان يكون له في قريش صولة فقال النبي ص لعلي