بأقوالهم وأفعالهم وحرمة اتباع من خالفهم وأي عبارة أبلغ في الدلالة على ذلك من قوله من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك أو غرق فكما ان كل من ركب مع نوح في سفينته نجا من الغرق ومن لم يركب غرق وهلك فكذلك كل من اتبع أهل البيت أصاب الحق ونجا من سخط الله وفاز برضوانه ومن خالفهم هلك ووقع في سخط الله وعذابه وذلك دليل عصمتهم والا لما كان كل متبع لهم ناجيا وكل مخالف لهم هالكا وهذا عام مخصوص كما مر في حديث الثقلين وليس المراد به إلا أئمة أهل البيت الذين وقع الاتفاق على تفضيلهم واشتهروا بالعلم والفضل والزهد والورع والعبادة واتفقت الأمة على عدم عصمة غيرهم وغير المعصوم لا يكون متبعه ناجيا ومخالفه هالكا على كل حال ولا يقصر عنه في الدلالة خبر تسميتهم بباب حطة الدال على أن النجاة في اتباعهم والخلاص من الذنوب والمعاصي بالأخذ بطريقتهم.
التاسع حديث المنزلة وهو قوله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي. ومر في غزاة تبوك في هذا الجزء والجزء الثاني إنه قال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي.
وهذا الحديث يقع الكلام فيه في مقامين في صحة سنده واثبات دلالته على المطلوب.
المقام الأول صحة سنده هذا الحديث قد اعترف أكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من الفريقين بصحة سنده وانه من أثبت الآثار وأصحها.
في الاستيعاب روى قوله ص لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها رواه عن النبي ص سعد بن أبي وقاص وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره. ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت عميس وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم ثم روى بسنده عن أسماء بنت عميس انها قالت: سمعت رسول الله ص يقول لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا إنه ليس بعدي نبي. وروى قبل ذلك أنه قال له في غزوة تبوك أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي وروى النسائي في الخصائص هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن سعد بن أبي وقاص فمن رواياته بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال لما غزا رسول الله ص غزوة تبوك وخلف عليا في المدينة قالوا فيه مله وكره صحبته فتبع علي النبي ص حتى لحقه في الطريق قال يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء حتى قالوا مله وكره صحبته فقال النبي ص انما خلفتك على أهلي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وفي رواية إلا أنه لا نبوة بعدي وفي رواية فقال علي رضيت رضيت وفي رواية أنت يا ابن أبي طالب مني مكان هارون من موسى الا انه لا نبي من بعدي وفي رواية الا انه ليس من بعدي نبي وبسنده عن سعد بن أبي وقاص ان النبي ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وبسنده عن سعد قال لما خرج رسول الله ص إلى تبوك خرج علي فتبعه فشكا وقال يا رسول الله أ تتركني مع الخوالف فقال النبي ص يا علي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا النبوة وبسنده عن سعد بن مالك ان رسول الله ص غزا على ناقته الجدعاء وخلف عليا وجاء علي حتى تعدى الناقة فقال يا رسول الله زعمت قريش انك انما خلفتني لأنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى فنادى رسول الله ص في الناس ما منكم أحد إلا وله حاجة بابن أبي طالب أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قال علي رضيت عن الله عز وجل وعن رسول الله ص وروى مسلم في صحيحه حديث المنزلة بعدة أسانيد منها عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ان النبي ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي قال سعيد فأحببت ان اشافه بذلك سعدا فلقيته فحدثته بما حدثني به عامر فقال انا سمعته فقلت أنت سمعته فوضع إصبعيه على أذنيه فقال نعم والا فاستكتا ورواه في أسد الغابة بسنده عن سعيد عن عامر عن أبيه نحوه ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن سعيد عن عامر بن سعد عن سعد مثله بتفاوت يسير وروى مسلم في صحيحه بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله ص علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.
المقام الثاني اثبات دلالته على المطلوب من القواعد المسلمة ان الاستثناء دليل العموم فيما عدى المستثنى فقوله الا انه لا نبي بعدي يدل على عموم المنزلة وهارون كان وزيرا لموسى وشريكا له في النبوة ولو عاش بعد موسى لكان خليفة له لكنه مات في حياته فعلي له منزلة هارون عدى المشاركة في النبوة وحيث انه بقي بعد النبي ص فيكون خليفة له وتنتفي عنه صفة النبوة خاصة.
لا يقال هارون كان خليفة موسى ع على قومه في حياته مدة غيابه كما حكاه الله تعالى بقوله اخلفني في قومي وعلي ع خلفه على أهله وعلى المدينة في حياته مدة غيابه ولذلك قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى أي كما أن موسى خلف هارون على قومه في حياته مدة غيابه فانا خلفتك على أهلي في حياتي مدة غيابي وأين هذا من الإمامة والخلافة العامة.
لأنا نقول ينافي التخصيص بذلك الاستثناء الدال على عموم المنزلة كما مر فهو دال على أن لعلي من النبي جميع ما كان لهارون من موسى عدا النبوة.
قال المفيد في الارشاد: تضمن هذا القول من رسول الله ص نصه عليه بالإمامة وابانته من الكافة بالخلافة ودل به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى الا ما خصه العرف واستثناه هو من النبوة ألا ترى انه جعل له كافة منازل هارون من موسى الا المستثنى منها لفظا وهو النبوة وعقلا وهو الاخوة وقد علم من تأمل معاني القرآن وتصفح الروايات والأخبار ان هارون كان أخا موسى لأبيه وامه وشريكه في امره ووزيره على نبوته وتبليغه رسالات ربه وإن الله سبحانه شد به إزره وإنه كان خليفته على قومه وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته وانه كان أحب قومه إليه وأفضلهم لديه قال الله عز وجل حاكيا عن موسى رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به