حقيقة باطل بالضرورة وإذا ثبت اطلاق انه مثله كان المراد انه مثله في جميع صفاته إلا ما أخرجه الدليل مثل النبوة والمساواة في الفضل للاجماع على أن عليا ليس بنبي وان النبي ص أفضل منه فبقي الباقي وهو انه أفضل من سائر الصحابة وبالجملة ففي كونه مثل النبي إلا ما أخرجه الدليل غنى وكفاية. قال الرازي في تفسيره: كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي (1) وكان متكلم الاثني عشرية وكان يزعم أن قوله وأنفسنا وأنفسكم يدل على أن عليا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد ص لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل غيره وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب فدلت على أن نفسه هي نفس محمد ولا يمكن أن يراد أن هذه النفس عين تلك النفس فالمراد انها مثلها وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه ترك العمل به في النبوة والفضل لقيام الدليل فبقي ما عداه. ومحمد أفضل من سائر الأنبياء فعلي مثله. ثم قال أي الحمصي ويؤيد الاستدلال بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله ع: من أراد أن يرى آدم في علمه ونوحا في طاعته وإبراهيم في خلقه فلينظر إلى علي بن أبي طالب، فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم وذلك يدل على أنه أفضل من جميعهم سوى محمد ص. قال: واما سائر الشيعة فقد كانوا قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية على أن عليا أفضل من سائر الصحابة لأن الآية لما دلت على أن نفسه مثل نفسه إلا فيما خصه الدليل وكانت نفس محمد أفضل من الصحابة فوجب أن تكون نفس علي كذلك.
والجواب أنه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على أن محمدا ع أفضل من علي كذلك انعقد الاجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي اه ملخصا. وقد دل كلامه على تسليم دلالة الآية على ذلك لولا الاجماع فبقي الأمر موقوفا على تحقق الاجماع هذا بالنسبة إلى الأنبياء، أما بالنسبة إلى الصحابة فهو يسلم به لأنه لم يرده ولم يناقش فيه.
قال المفيد:
وفي قصة أهل نجران بيان عن فضل أمير المؤمنين ع مع ما فيه من الآية للنبي ص والمعجز الدال على نبوته، وأن الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين ع بأنه نفس رسول الله ص كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ومساواته للنبي ص في الكمال والعصمة من الآثام وان الله تعالى جعله وزوجته وولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه وبرهانا على دينه ونص على الحكم بان الحسن والحسين أبناؤه وأن فاطمة نساؤه المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه وهو لاحق بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين الخاصة به.
الخامس قوله تعالى: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. نزلت في حق علي بن أبي طالب لما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة، فلفظ الذين آمنوا وإن كان عاما إلا أن المراد به خاص وإرادة الواحد من لفظ الجمع في كلام العرب وفي القرآن الكريم غير عزيزة مع دلالة القرينة كما في قوله تعالى الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم والمراد نعيم بن مسعود، والمراد من الزكاة فيها هي الصدقة لأن الزكاة وان اشتهرت في الشرع في الصدقة الواجبة لكنها تطلق على المستحبة أيضا بكثرة وقوله وهم راكعون حال من ضمير يؤتون الزكاة أي ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم. روي الواحدي النيسابوري في كتابه أسباب النزول عن الكلبي ان آخر الآية في علي بن أبي طالب لأنه اعطى خاتمه سائلا وهو راكع. وروي بسنده عن ابن عباس قال اقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا يا رسول الله ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم ان لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي ع: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية ثم أن النبي ص خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فنظر سائلا فقال هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم قال من أعطاكه قال ذلك القائم وأوما بيده إلى علي بن أبي طالب فقال على أي حال أعطاك قال أعطاني وهو راكع فكبر النبي ص ثم قرأ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون، وفي الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أتى عبد الله بن سلام وذكر نحوه. وفي أسباب النزول للسيوطي: اخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزل خاتمه فأعطاه السائل فنزلت انما وليكم الله ورسوله الآية وله شاهد. قال عبد الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله إنما وليكم الله ورسوله الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله، واخرج أيضا عن علي مثله، واخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله قال فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا اه أسباب النزول، يعني فلا يضر كون بعض طرقه فيه مجاهيل. وقال السيوطي في الدر المنثور: اخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فقال النبي ص للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال ذاك الراكع فأنزل الله إنما وليكم الله ورسوله. واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله إنما وليكم الله ورسوله الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فاتى رسول الله ص فاعلمه ذلك فنزلت على النبي ص هذه الآية إنما وليكم الله ورسوله الآية فقرأ رسول الله ص على أصحابه ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، واخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال نزلت هذه الآية على رسول الله ص في بيته إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا إلى آخر الآية فخرج رسول الله ص فدخل المسجد وجاء الناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي فإذا سائل فقال يا سائل هل أعطاك أحد شيئا قال لا الا ذاك الراكع لعلي بن أبي طالب أعطاني خاتمه. واخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت إنما وليكم الله الآية، وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال دخلت على رسول الله ص وهو نائم يوحي إليه إلى أن قال فمكث ساعة فاستيقظ وهو يقول: انما وليكم الله ورسوله الآية