وفتن الجمل وصفين والنهروان وكل هذه الأمور مؤثرة في اضطراب أمر الوالي ثم قال واما القول في سياسة معاوية وإن شناة علي ومبغضيه زعموا أنها خير من سياسة أمير المؤمنين ع فيكفينا في الكلام على ذلك ما قاله شيخنا أبو عثمان الجاحظ ونحن نحكيه بألفاظه قال: ربما رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز يزعم أن معاوية كان أبعد غورا وأصح فكرا وأجود رواية وليس الأمر كذلك وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه والمكان الذي دخل عليه الخطا من قبله كان علي لا يستعمل في حربه الا ما وافق الكتاب والسنة ومعاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة كما يستعملهما ويستعمل جميع المكائد حلالها وحرامها ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقي كسرى وخاقان إذا لاقي رتبيل، وعلي يقول لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم ولا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا بابا مغلقا. هذه سيرته في ذي الكلاع وفي أبي الأعور السلمي وفي عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وفي جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية والحشو والاتباع والسفلة. وأصحاب الحروب إن قدروا على البيات بيتوا وإن قدروا على رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا وإن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة وإن كان الحرق أعجل من الغرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق وإن أمكن الهدم لم يتكلفوا الحصار ولم يدعوا أن تنصب المجانيق والعرادات والدبابات والنقب والكمين ولم يدعوا دس السموم ولا التضريب بين الناس بالكذب وطرح الكتب في عساكرهم بالسعايات وتوهيم الأمور وايحاش بعض من بعض وقتلهم بكل آلة وحيلة كيف وقع القتل فمن اقتصر من التدبير على ما في الكتاب والسنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير فعلي كان ملجما بالورع عن جميع القول وممنوع اليدين من كل بطش الا ما هو لله رضا فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكائد ولم يروا ذلك من علي ظنوا بقصر عقولهم وقلة علومهم إن ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي فانظر بعد هذا كله هل يعد له من الخدع الا رفع المصاحف ثم انظر هل خدع بها الا من عصى رأي علي وخالف امره فان زعمت أنه قد نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت وليس في هذا اختلفنا ولا عن غرارة أصحاب علي وعجلتهم وتسرعهم وتنازعهم دافعنا وانما كان قولنا في التمييز بينهما في الدهاء وصحة العقل والرأي وهل كتابنا وضع الا على أن عليا كان قد امتحن في أصحابه وفي دهره بما لم يمتحن امام قبله من الاختلاف والمنازعة والتشاح في الرياسة والتسرع والعجلة وقد علمنا أن ثلاثة تواطئوا على قتل ثلاثة علي ومعاوية وعمرو بن العاص فكان من الاتفاق أو من الامتحان أن كان علي من بينهم هو المقتول وفي قياس مذهبكم أن تزعموا أن سلامة عمرو ومعاوية إنما كانت بحزم منهما وإن قتل علي انما هو من تضييع منه فإذ قد تبين لكم أنه من الابتلاء والامتحان فكل ما سوى ذلك انما هو تبع له اه قال ابن أبي الحديد: ومن تأمله بعين الإنصاف ولم يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره وانما أمير المؤمنين دفع من اختلاف أصحابه وسوء طاعتهم له ولزومه سنن الشريعة ومنهج العدل وخروج معاوية وعمرو عن قاعدة الشرع ما لم يدفع غيره فلو لا أنه كان عارفا بوجوه السياسة حاذقا فيها لم يجتمع عليه الا القليل من أهل الآخرة فلما وجدناه دبر الأمر حين وليه فاجتمع عليه من العساكر ما يتجاوز العد فظفر في أكثر حروبه وكان الأقرب إلى الانتصار على معاوية علمنا أنه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين اه. وأورد ابن أبي الحديد في شرح النهج أمورا كثيرة تعلق بها من طعن في سياسته وأجاب عنها ولما كانت الأجوبة عنها ظاهرة لم نستحسن إطالة الكلام بذكرها والجواب عنها.
الخامس والعشرون سياسة الملك والخشونة في ذات الله. قال ابن أبي الحديد: اما السياسة فإنه كان شديد السياسة خشنا في ذات الله لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه ولا رقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي وقطع جماعة وصلب آخرين ومن جملة سياسته حروبه أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان وفي أقل القليل منها مقنع فان كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل ع في هذه الحروب بيده وأعوانه اه وفي الاستيعاب بسنده عن كعب بن عجرة قال رسول الله ص علي مخشوشن في ذات الله وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي سعيد الخدري قال شكا الناس عليا فقام رسول الله ص خطيبا فقال يا أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله أنه لأخيشن في ذات الله عز وجل. ورواه الحاكم في المستدرك وصححه الا أنه قال لأخيشن في ذات الله وفي سبيل الله وبسنده عن كعب بن عجرة قال رسول الله ص لا تسبوا عليا فإنه ممسوس في ذات الله تعالى اه ممسوس اي مسه الأذى والعناء في ذات الله تعالى.
السادس والعشرون أنه ولي كل مؤمن. في الاستيعاب بسنده عن ابن عباس أن رسول الله ص قال لعلي بن أبي طالب أنت ولي كل مؤمن بعدي ويأتي في حديث عمران بن حصين قول النبي ص أن عليا مني وانا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقول النبي ص أن عليا مني وانا منه وهو وليكم بعدي. ويأتي في حديث علقمة وفي جوامع مناقبه قول النبي ص له أنت ولي كل مؤمن بعدي.
السابع والعشرون قول النبي ص من كنت وليه فان عليا وليه.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن بريدة الأسلمي وقال صحيح على شرط الشيخين أنه مر بقوم ينتقصون عليا فقال أني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شئ وكنت مع خالد بن الوليد في جيش فأصابوا غنائم فعمد علي إلى جارية من الخمس فاخذها لنفسه وكان بين علي وبين خالد شئ فقال خالد هذه فرصتك وقد عرف الذي في نفسي على علي قال فانطلق إلى النبي ص فاذكر ذلك له فاتيت النبي ص فذكرت له أمر علي وكنت إذا حدثت الحديث أكببت، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله ص قد احمرت وقال من كنت وليه فان عليا وليه. وروى النسائي في الخصائص بسنده عن بريدة:
بعثنا رسول الله ص واستعمل علينا عليا فلما رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة صاحبكم فاما شكوته انا واما شكاه غيري فرفعت رأسي وإذا وجه رسول الله ص قد احمر فقال من كنت وليه فعلي وليه.
الثامن والعشرون حديث المنزلة. وهو قوله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ومر ذكره في الجزء الثاني في غزوة تبوك ويأتي ذكره في هذا الجزء في أدلة إمامته وأنه من أثبت الآثار وأصحها قال المفيد: لما جعل عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له جميع منازل هارون من موسى الا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه هو من النبوة لفظا وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال اه.