وفي السيرة الحلبية: ذكر بعضهم أنه في هذه الحجة كان جمل عائشة رض سريع المشي مع خفة حمل عائشة وجمل صفية بطئ المشي مع ثقل حملها فصار الركب يتأخر لذلك فامر ص أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وحمل عائشة على جمل صفية فقال لعائشة يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع وحمل صفية ثقيل وجملها بطئ فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك فقالت له انك تزعم انك رسول الله؟!
فقال أ في شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله؟! قالت فما لك لا تعدل؟!
قالت فكان أبو بكر رض فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله ص فقال أ ما سمعت ما قالت فقال دعها فان المرأة الغيراء لا تعرف أعلا الوادي من أسفله. قال المفيد وخرج علي ع بمن معه من العسكر الذي كان صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي أخذها من أهل نجران فلما قارب رسول الله ص مكة من طريق المدينة قاربها علي ع من طريق اليمن وسبق الجيش للقاء النبي ص وخلف عليهم رجلا منهم فأدرك النبي ص وقد أشرف على مكة فسلم عليه وأخبره بما صنع وبقبض ما قبض وأنه سارع للقائه أمام الجيش فسر رسول الله ص بذلك وابتهج بلقائه وقال له بم أهللت فقال له يا رسول الله انك لم تكتب لي اهلالك ولا عرفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم إهلالا كاهلال نبيك وسقت معي من البدن أربعا وثلاثين بدنة فقال رسول الله ص الله أكبر قد سقت أنا ستا وستين وأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي فاقم على إحرامك وعد إلى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع بمكة انش وفي سيرة ابن هشام قال رسول الله ص لعلي هل معك من هدي قال لا فاشركه في هديه وثبت على احرامه حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله ص الهدي عنهما. وفي السيرة الحلبية يمكن الجمع بين هذا وبين أنه قدم من اليمن ومعه هدي بان الهدي كان قد تأخر مجيئه فاشركه في هديه ثم نقل الهدي الذي جاء به علي ع من اليمن كان سبعا وثلاثين والذي جاء به رسول الله ص ثلاثا وستين قال ابن هشام فيما أخرجه عن ابن إسحاق بسنده لما أقبل علي من اليمن لتلقي رسول الله ص بمكة تعجل إلى رسول الله ص واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل فقال للذي كان استخلفه فيهم ويلك ما هذا قال كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس فانتزع الحلل من الناس وشدها في الاعدال وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله ص فينا خطيها فسمعته يقول أيها الناس لا تشكن عليا فوالله أنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى وفي رواية المفيد فامر رسول الله ص مناديا فنادى في الناس ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عز وجل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره وعلموا مكانه من النبي ص وسخطه على من رام الغميزة فيه. قال المفيد وأقام علي ع على إحرامه تأسيا برسول الله ص فكان حجهما حج قران وكان قد خرج مع النبي ص كثير من المسلمين بغير سياق هدي فأنزل الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فقال رسول الله ص دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وشبك إحدى أصابع يديه على الأخرى ثم قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر مناديه أن ينادي من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ومن ساق منكم هدايا فليقم على إحرامه اه توضيح ذلك أن الحج ثلاثة أنواع إفراد وقران وتمتع فالافراد والقران فرض القريب إلى مكة والتمتع فرض البعيد والمفرد يأتي بالحج أولا ثم بعمرة مفردة وكذلك القارن إلا أنه يسوق الهدي معه عند الاحرام والمتمتع يأتي أولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج فالنبي ص حين أحرم في حجة الوداع أحرم بحج القران لأنه ساق الهدي وكذلك علي ع أحرم كاحرام رسول الله ص وساق الهدي فكان حجه حج قران وأكثر الذين كانوا مع النبي ص لم يسوقوا الهدي عند الاحرام وأحرموا بالحج ولم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ فلما نزل فرض حج التمتع بقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله إلى قوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية. أمر رسول الله ص من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه ويجعل حجه حج قران ومن لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة تمتع فيحل من احرامه ثم يحرم للحج وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة فصار فرض البعيدين عن مكة ومنهم أهل المدينة حج التمتع وليس لهم أن يحجوا حج إفراد ولا حج قران وإنما كان لمن ساق الهدي أن يحج حج قران في ذلك العام فقط ومعنى دخول العمرة في الحج أن المتمتع يكون نسكه مركبا من عملين العمرة والحج فهما يمنزلة شئ واحد بخلاف القارن والمفرد فعمله مركب من نسكين مستقلين الحج والعمرة المفردة وفي رواية أن سراقة بن مالك قال يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه فقال بل لابد الأبد دخلت العمرة في الحج هكذا إلى يوم القيامة أورده في السيرة الحلبية. قوله ص لو استقبلت من أمري ما استدبرت أي لو كنت أعلم حين أحرمت ما علمته اليوم من أن من ساق الهدي ليس له أن يحج حج تمتع بل حجه حج قران ما سقت الهدي بل كنت أحرم بغير سياق الهدي ليكون حجي حج تمتع فان حج التمتع أفضل من حج القران وحاصله الندم على سوق الهدي الذي أوجب أن يكون حجه حج قران وفوت عليه فضيلة حج التمتع قال المفيد فأطاع في ذلك بعض الناس وخالف البعض وجرت خطوب بينهم فيه وقال منهم قائلون: رسول الله ص أشعث أغبر ونحن نلبس الثياب ونقرب النساء وندهن وقال بعضهم أ ما تستحون تخرجون ورؤوسكم تقطر من الغسل ورسول الله على إحرامه فأنكر رسول الله ص على من خالف في ذلك وقال لولا إني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف اه وروى النسائي في سننه بسنده عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب حين أمره رسول الله ص على اليمن فلما قدم على النبي ص قال فقال لي رسول الله ص كيف صنعت قلت أهللت باهلالك قال فاني سقت الهدي وقرنت وقال لأصحابه لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي وقرنت. وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قالت قدم رسول الله ص لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال أ وما شعرت أني امرت الناس بأمر فإذا هم يترددون لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم أحل كما أحلوا اه ولما أراد ص دخول مكة اغتسل ودخلها نهارا من أعلاها من كداء وضرب خيامه بالأبطح ومضى حتى انتهى إلى باب بني شيبة وهو المعروف اليوم بباب السلام فدخل المسجد وطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى خلف المقام ركعتين ثم سعى