منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فما أشار لصنم من ناحية وجهه الا وقع لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع لوجهه حتى مر عليها كلها وكان اعظمها هبل وهو تجاه الكعبة، وفي رواية أنه جعل يطعن في عينه بقوس في يده ويقرأ هذه الآية ثم أمر به فكسر وكان المقام لاصقا بالكعبة فصلى خلفه ركعتين ثم أمر به فوضع في مكانه ثم جلس ناحية من المسجد وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به ففتح رسول الله ص باب الكعبة وصلى فيها ركعتين وخرج فاخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه فخطب الناس فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده الا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ثم قال يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم الآية، يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء فاعتقهم وقد كان امكنه الله من رقابهم عنوة فبذلك سموا الطلقاء، ثم دعا بعثمان بن طلحة فرد إليه مفتاح الكعبة وقال خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم الا ظالم وانتقلت سدانة الكعبة بعد عثمان إلى أخيه شيبة ثم توارثها أولاده إلى اليوم، وصاروا يعرفون ببني شيبة وهم من نسل طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب الراية يوم أحد الذي قتله أمير المؤمنين علي ع، ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب وكانت لأبيه عبد المطلب ثم قام بها بعد العباس ابنه عبد الله وهي أحواض من جلد يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الأوقات. وحانت صلاة الظهر فاذن بلال فوق ظهر الكعبة، وبث ص السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسرها ونادى مناديه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره، وأتى الصفا يدعو الله تعالى وبذكره فقال الأنصار فيما بينهم أ ترون أن رسول الله إذ فتح الله ارضه وبلده يقيم بها، فلما فرع من دعائه قال معاذ الله، المحيا محياكم والممات مماتكم. وجلس رسول الله ص على الصفا وقيل في المسجد يبايع الناس الرجال والنساء فيبايع الرجال على الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وعلى السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ودخل الناس في دين الله أفواجا وجاءه رجل فأخذته الرعدة فقال هون عليك فاني لست بملك انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. ولما فرع من بيعة الرجال بايع النساء فكانت بيعته لهن على نحوين كان يوضع بين يديه إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء ثم أخرجها فغمس النساء يديهن فيه وبعد ذلك كان يبايعهن بالكلام وحده فهذا مما ساوى فيه الاسلام بين الرجال والنساء في الأمور العامة المهمة وهي البيعة فقرأ عليهن ما انزل الله من شروط البيعة عليهن وقيل وضع على يده ثوبا فبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف لا يقتلن أولادهن بوأد ولا اسقاط ولا يأتين ببهتان يفترينه بكذب يكذبنه في مولود بين أيديهن وأرجلهن فلا يلحقن بازواجهن غير أولادهم. عن ابن عباس وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهبهن أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم ولا يعصينك في معروف وهو جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر الا بمعروف وقيل النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعور وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بالويل. وكان في النساء هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لخوفها، فلما قال: على أن لا يشركن بالله شيئا، قالت هند: والله انك لتأخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال وسنؤتيكه، فلما قال: ولا يسرقن، قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي الا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال وانك لهند؟ قالت: انا هند فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف، فلما قال ولا يزنين، قالت: أ وتزني الحرة؟
فتبسم بعض من حضر لما كان بينه وبينها في الجاهلية، فلما قال: ولا يقتلن أولادهن، قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا، فلما قال: ولا يأتين ببهتان الخ قالت إن اتيان البهتان لقبيح، فلما قال: ولا يعصينك في معروف، قالت ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف.
ولما كان الغد من يوم الفتح خطب رسول الله ص بعد الظهر فقال:
إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة ولم تحل لي الا ساعة من نهار ثم رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ شاهدكم غائبكم ولا يحل لنا من غنائمها شئ. وهرب صفوان بن أمية إلى جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه بالبحر، فامنه صلى الله عليك، قال هو آمن قال اعطني شيئا يعرف به أمانك فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة فخرج بها فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك إن تهلكها فهذا أمان من رسول الله ص قال ويلك أغرب عني لا تكلمني قال أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع به فقال صفوان لرسول الله ص إن هذا زعم انك آمنتني قال صدق قال فاجعلني في أمري بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر. وهذا منه ص نهاية الحلم وكرم الأخلاق وحسن السياسة، ومن عمير الغاية في حسن الوساطة. قال المفيد: وبلغ عليا ع ان أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من آويتم فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه فقالت يا عبد الله انا أم هانئ ابنة عم رسول الله ص وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال اخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته وقالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي قالت فجئت إليه وهو في قبة يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ واهلا قلت بأبي أنت وأمي أشكو إليك اليوم ما لقيت من علي بن أبي طالب فقال قد اجرت من اجرت فقالت فاطمة انما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله ص لقد شكر الله لعلي سعيه واجرت من اجارت أم هانئ لمكانها من علي اه وأسلمت أم هانئ وهرب زوجها هبيرة بن أبي وهب