إلى الشيطنة والشهوة البهيمية والغضب السبعي.
والإنسان دائما بين هاتين الجاذبتين، ومعركة جنود الرحمن والشيطان، وقد أعطاه الله تعالى عقلا محيطا مميزا للمصالح والمفاسد في العاجل والآجل، حاكما على سائر القوى.
ثم إنه تعالى مع إعطائه القوة المميزة العاقلة، لم يتركه سدى، بل بعث إليه النبيين والمرسلين، وأنزل الكتب السماوية، هاديا إلى الطريق القويم، مرشدا إلى الصراط المستقيم، داعيا إلى ما به كما له وسعادته، زاجرا عما به نقصه وشقاوته.
ثم إن الإنسان في صدور كل فعل منه، لابد من تصوره وترجيحه أحد جانبي الفعل والترك، وحيث كان له عقل مميز، وله ميول مختلفة - حسبما عرفت - يجعل الفعل والترك في كفتي ميزان عقله، فإن رجح جانب الفعل يختار لنفسه فعله، ويفعله بإرادته، أو يختار تركه ويتركه كذلك، فقد يرجح النفع الدنيوي العاجل على الضرر الاخروي الآجل فيختاره؛ أي يعتقده خيرا لنفسه، فيفعله باختياره وإرادته، وقد يرجح تركه فيتركه كذلك.
ولعل إلى ما ذكرنا أشار تعالى في سورة الدهر، حيث قال: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) (1).
ولعل " النطفة " هي النطفة الروحانية التي أشارت إليها أخبار الطينة (2) كما يظهر للمتدبر فيها. والمشج هو المختلط، والجمع للإشارة إلى كثرة الاختلاط،