وهذا الاختلاط إشارة إلى الرقائق العلوية والسفلية.
والدليل على أن " النطفة " هي الروحانية، قوله: (نبتليه) فإن الابتلاء مناسب للروح، لا للجسد والمادة الجسمانية. والسمع والبصر أيضا هما الروحانيان منهما؛ بمناسبة الابتلاء والهداية، فبهما يميز الصلاح من الفساد.
وهداية السبيل عبارة عن بعث الأنبياء، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب.
وقوله: (إما شاكرا وإما كفورا) إشارة إلى اختيار الطاعة، فيكون شاكرا لأنعم الله، أو المعصية فيكون كفورا.
إذا عرفت ذلك علمت: أن مجرد إتيان العمل بالإرادة، لا يوجب استحقاق العقوبة والمثوبة، بل المناط هو الإتيان باختيار وترجيح بحسب ميزان العقل، فالله - تعالى شأنه - قد مكنه من تحصيل السعادة، وهداه إلى طرقها، وأعطاه المؤيدات الداخلية والخارجية، فإذا كفر بأنعم الله واختار لنفسه الشقاوة، فلا يلومن إلا نفسه، وإذا اختار السعادة فليشكر ربه (9).