وأما الأول - أي المفهوم المخالف - فهو يرجع إلى دخالة القيد، وأن الحكم ثابت للذات مع تقيدها بقيد، وليست الذات تمام الموضوع للحكم، وقد عرفت (1): أن ذلك هو مورد بحث القدماء (112)، دون ما هو المبحوث عنه لدى المتأخرين من أن أداة الشرط يستفاد منها العلية المنحصرة، أو الوصف مثلا يشعر بالعلية المنحصرة.
وبالجملة: إن الملاك في كلية المفاهيم عند القدماء شيء واحد هو دخالة القيد في الحكم، فعلى هذا يكون التقييد أو التخصيص بالمفهوم المخالف راجعا دائما إلى حمل المطلق على المقيد، والسر فيه هو السر فيه.
مثلا: ما روته العامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه قال: " خلق الله الماء طهورا لم ينجسه شيء، إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته " (3) تكون نسبته إلى قوله: " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء " (4)، نسبة المطلق إلى المقيد؛ فإن الأول يدل على أن الماء تمام الموضوع لعدم التنجس، والثاني يدل على أن للكرية دخالة فيه، فتقع المعارضة بين المنطوقين، ولا إشكال في أظهرية المقيد في دخالة القيد من المطلق في تمام الموضوعية، فيحمل عليه.
وأما إذا لم يكن الماء كرا فلا يدل الثاني على شيء؛ فإن المفهوم منه ليس إلا دخالة القيد، وأما عدم دخالة شيء آخر، فلا يمكن أن يقع قيد آخر مقام القيد المذكور، فيكون الماء مثلا مع الجريان أو مع المادة أيضا غير منفعل.