هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما بحسب مقام الدلالة والظهور: فلا إشكال في عدم الظهور في شيء (115)، ولكن القدر المتيقن هو الأخير، وغيره يحتاج إلى الدليل.
115 - والظاهر رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل إذا ذكر الاسم الظاهر في الجملة الاولى، وعطف سائر الجمل عليها مشتملا على الضمير الراجع إليه، واشتمل المستثنى - أيضا - على الضمير، كقوله: " أكرم العلماء وسلم عليهم وألبسهم إلا الفساق منهم " لأن الضمير - كما مر - موضوع لنفس الإشارة إلى الغائب، كما أن أسماء الإشارة موضوعة للإشارة إلى الحاضر، فإذا اشتمل المستثنى على الضمير يكون إشارة إلى شيء، ولم يكن في الجمل شيء صالح للإشارة إليه إلا الاسم الظاهر المذكور في صدرها، وأما سائر الجمل فلا تصلح لإرجاع الضمير إليها؛ لعدم عود الضمير إلى الضمير.
وبالجملة: لما كان الاسم الظاهر مرجعا للضمائر التي في جميع الجمل، فإذا رجع ضمير الاستثناء إليه، يخرجه عن تحت جميع الأحكام المتعلقة به، كما هو المتفاهم به عرفا أيضا.
وكذا لا يبعد أن يكون الاستثناء من الجميع إذا لم يشتمل المستثنى على الضمير مع اشتمال الجمل عليه، كما لو قال في المثال المتقدم: " إلا بني فلان ". أما إذا قلنا: بأن الضمير في مثله منوي، فلما ذكرنا، وإن قلنا بعدم النية؛ فلأن الضمائر في سائر الجمل غير صالحة لتعلق الاستثناء بها؛ فإنها بنفسها غير محكومة بشيء، فلا محالة يرجع الاستثناء إلى ما هو صالح له.
وأما إذا تكرر الاسم الظاهر، كما لو قال: " أكرم العلماء وأضف التجار وألبس الفقراء إلا الفساق منهم " فرجوعه إلى الجميع وإلى الأخيرة محتمل، ولا يكون ظاهرا في واحد منهما.
وما قيل: من أن الظاهر رجوعه إلى الأخيرة؛ لأن تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة مستقلا يوجب أخذ الاستثناء محله من الكلام، لا يرجع إلى محصل، بل المستثنى إن اشتمل على الضمير، يكون الاستثناء تابعا له في السعة والضيق، وهو محتمل الرجوع إلى الأخيرة وإلى الجميع من غير تأول وتجوز، ومع عدم الاشتمال يحتمل الأمرين - أيضا - بانطباق العنوان على الجميع أو الأخيرة، بل رجوع الضمير وانطباق العنوان على الجميع لو لم يكن أولى، فلا أقل من المساواة احتمالا.
ومما ذكرنا يظهر حال ما إذا اشتمل بعض الجمل المتوسطة على الاسم الظاهر، وما بعده على الضمير الراجع إليه، مثل قوله: " أكرم العلماء وسلم عليهم وأضف التجار وأكرمهم إلا الفساق منهم " من احتمال الرجوع إلى المشتمل على الاسم الظاهر في الجملة الأخيرة وما بعدها، وإلى الجميع. (مناهج الوصول 2: 307 - 308).
ثم إنه فيما إذا لم يظهر رجوعه إلى الأخيرة أو الجميع، فالأخيرة متيقنة؛ لأن الرجوع إلى غيرها خلاف قانون المحاورة، فهل يجوز التمسك بالعام في سائر الجمل التي شك في رجوعه إليها، أو لا، أو يفصل بين ما إذا قلنا باحتياج العموم إلى مقدمات الحكمة، وعدمه؟
الظاهر عدم الجواز مطلقا؛ لعدم إحراز بناء العقلاء على التمسك بأصالة الجد فيما إذا حف الكلام بشيء صالح لتقييد مدخول أداة العموم، فلا محالة يصير الكلام مجملا.
وما قيل: من أن ذلك مخل بغرض المتكلم، منظور فيه؛ لإمكان تعلق غرضه بإلقاء الكلام المجمل، وإلا لوجب أن لا يصدر منه المجملات، وهو كما ترى.
وقد يقال: إن أصالة الإطلاق في الاستثناء والمستثنى جارية لولا حكومة أصالة العموم عليها، ومعها لا مجال لقرينة الإطلاق؛ لأنه دوري.
وفيه أولا: أن المستثنى إن اشتمل على الضمير، يتبع إطلاقه له، ولا يكون الإطلاق مشخصا لمرجع الضمير؛ للزوم الدور.
وثانيا: أن العموم وإن لم يحتج إلى المقدمات، لكن يتوقف الاحتجاج به على جريان أصالة الجد، وفي مثل الكلام المحفوف بما ذكر جريانها غير محرز.
ومع عدم اشتماله على الضمير - أيضا - محل إشكال؛ لصحة انطباق عنوانه على الجميع، كان الضمير منويا أو لا، ومعه لا تكون أصالة الجد محرزة، فتدبر. (مناهج الوصول 2:
309 - 310).