أقول: لو كان مفاد النهي هو طلب عدم الطبيعة، للزم أن يكون الطلب ساقطا مع ترك إتيان فرد ما، وأن لا يكون باقي الأفراد المتعاقبة عصيانا؛ لسقوط الطلب كما أن الحال كذلك في جانب الأمر، مع أن العقلاء يحكمون بخلاف ذلك؛ فإن للنهي عندهم إطاعات وعصيانات، فلو ترك العبد المنهي عنه لله تعالى - مع شهوته لارتكابه - مرات عديدة، عد مطيعا بحسب المرات، كما أنه لو أتى به مرات عديدة عد عاصيا كذلك، ولو أتى به مرة، وترك لله تعالى مرة اخرى، لعد عاصيا ومطيعا، وهذه الأحكام ثابتة بالضرورة عند العقلاء، وهذا يكشف عن كون مفاد النهي غير ما ذكر (قدس سره) وفاقا للمشهور (1).
والتحقيق حسبما يؤدي إليه النظر الدقيق: أن الأمر والنهي متخالفان بحسب الذات والمبادئ والأحكام.
أما اختلافهما ذاتا: فلأن الأمر هو البعث نحو وجود الطبيعة أو نحو الطبيعة حسبما عرفت، فهو طلب وبعث وإغراء، والنهي هو الزجر والإزعاج عن الوجود أو الطبيعة، فمتعلقهما واحد، وإنما اختلافهما بحسب الذات، فالبعث الإنشائي في الأمر بمنزلة الإغراء الخارجي والإلقاء التكويني نحو العمل، والزجر الإنشائي بمنزلة الدفع التكويني والمنع الخارجي عن الارتكاب.
وأما اختلافهما بحسب المبادئ: فمبادئ الأمر - بعد التصور - هو التصديق بالفائدة والاشتياق، ومبادئ النهي هو التصديق بالمفسدة والكراهة.
وأما بحسب الأحكام: فلما كان الأمر متعلقا بالطبيعة، كان تمام المتعلق له هو الطبيعة، فبتحقق فرد ما منها يتحقق تمام المطلوب، فبقاء الأمر مع تحقق تمام المطلوب جزاف باطل.