منشأ انتزاعه. وهذا منشأ ما اشتهر بينهم في الأمر الوجوبي: أنه هو الطلب مع المنع من الترك (1)، فإن المنع من الترك لم يكن منظورا إليه؛ بحيث يكون في ذهن الآمر طلب متعلق بالفعل، ومنع متعلق بالترك.
ومعلوم: أن ما ينتزعه العقلاء من الأمر بالشيء، هو النهي عن نقيضه الذي هو العدم بلا قيد أصلا؛ فإن منشأ الانتزاع هو المناقضة لا غير.
وما ذكرنا جار في النهي طابق النعل بالنعل؛ فإن النهي عن الشيء عين الأمر بنقيضه، لا بمعنى أن هاهنا نهيا وأمرا، ولا بمعنى اتحادهما مفهوما، بل بمعنى اتحادهما خارجا، وكون النهي منشأ لانتزاع الأمر بنقيضه، ولما كانت حقيقة النهي عبارة عن الزجر عن الوجود، ونقيض الوجود هو العدم، كان الأمر بالعدم منتزعا منه.
وبما ذكرنا: انهدم أساس الخلاف الذي اختص بالنهي من أنه هل هو نفس الترك وأن لا يفعل (2)، أو الكف (3)؟ فإن هذا النزاع إنما له وجه معقول لو كان النهي عبارة عن الطلب، فينازع بأنه طلب الترك أو الكف، وأما بعدما عرفت - من أن النهي عبارة عن الزجر عن الوجود - فلا معنى له.
نعم، لما كان نقيض الوجود هو العدم ونفس أن لا تفعل، يكون النهي عن الشيء متحدا خارجا معه، لا مع الكف؛ فإن الكف هو العدم مع اعتبار زائد، وفي الحقيقة الكف ضد النهي، لا نقيضه، ويجوز ارتفاعهما، بخلاف النقيضين، لكن