للملائكة بأن يحشروا المشركين وأزواجهم، وهم أشباههم في الشرك، والمتابعون لهم في الكفر، والمشايعون لهم في تكذيب الرسل، كذا قال قتادة وأبو العالية. وقال الحسن ومجاهد: المراد بأزواجهم نساؤهم المشركات الموافقات لهم على الكفر والظلم. وقال الضحاك: أزواجهم قرناؤهم من الشياطين يحشر كل كافر مع شيطانه، وبه قال مقاتل (وما كانوا يعبدون من دون الله) من الأصنام والشياطين، وهذا العموم المستفاد من ما الموصولة، فإنها عبارة عن المعبودين، لا عن العابدين كما قيل مخصوص، لأن من طوائف الكفار من عبد المسيح، ومنهم من عبد الملائكة فيخرجون بقوله - إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون - ووجه حشر الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل هو زيادة التبكيت لعابديها وتخجيلهم وإظهار أنها لا تنفع ولا تضر (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) أي عرفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها، يقال هديته الطريق وهديته إليها: أي دللته عليها، وفي هذا تهكم بهم (وقفوهم إنهم مسؤولون) أي احبسوهم، يقال وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هي وقوفا يتعدى ولا يتعدى، وهذا الحبس لهم يكون قبل السوق إلى جهنم: أي وقفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك، وجملة (إنهم مسؤولون) تعليل للجملة الأولى. قال الكلبي: أي مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم.
وقال الضحاك: عن خطاياهم، وقيل عن لا إله إلا الله، وقيل عن ظلم العباد، وقيل هذا السؤال هو المذكور بعد هذا بقوله (ما لكم لا تناصرون) أي أي شئ لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا، وهذا توبيخ لهم وتقريع وتهكم بهم، وأصله تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا. قرأ الجمهور (إنهم مسؤولون) بكسر الهمزة، وقرأ عيسى بن عمر بفتحها. قال الكسائي: أي لأنهم أو بأنهم، وقيل الإشارة بقوله (ما لكم لا تناصرون) إلى قول أبي جهل يوم بدر - نحن جميع منتصر - ثم أضرب سبحانه عما تقدم إلى بيان الحالة التي هم عليها هنالك فقال (بل هم اليوم مستسلمون) أي منقادون لعجزهم عن الحيلة. قال قتادة: مستسلمون في عذاب الله. وقال الأخفش: ملقون بأيديهم، يقال استسلم للشيء: إذا انقاد له وخضع (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي أقبل بعض الكفار على بعض يتسائلون. قيل هم الأتباع والرؤساء يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ وتقريع ومخاصمة.
وقال مجاهد: هو قول الكفار للشياطين. وقال قتادة: هو قول الإنس للجن، والأول أولى لقوله (قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) أي كنتم تأتوننا في الدنيا عن اليمين: أي من جهة الحق والدين والطاعة وتصدونا عنها.
قال الزجاج: كنتم تأتوننا من قبل الدين، فتروننا أن الدين والحق ما تضلوننا به، واليمين عبارة عن الحق، وهذا كقوله تعالى إخبار عن إبليس - ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم - قال الواحدي: قال أهل المعاني: إن الرؤساء كانوا قد حلفوا لهؤلاء الأتباع أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بأيمانهم، فمعنى (تأتوننا عن اليمين) أي من ناحية الإيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها. قال: والمفسرون على القول الأول. وقيل المعنى:
تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفائل بها لتغرونا بذلك عن جهة النصح، والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح. وقيل اليمين بمعنى القوة: أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر كما في قوله فراغ عليهم ضربا باليمين - أي بالقوة وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، وكذلك جملة (قالوا بل لم تكونوا مؤمنين) فإنها مستأنفة جواب سؤال مقدر، والمعنى: أنه قال الرؤساء أو الشياطين لهؤلاء القائلين: كنتم تأتوننا عن اليمين بل لم تكونوا مؤمنين ولم نمنعكم من الإيمان. والمعنى: أنكم لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم عن الإيمان إلى الكفر بل كنتم من الأصل على الكفر فأقمتم عليه (وما كان لنا عليكم من سلطان) من تسلط بقهر وغلبة حتى ندخلكم في الإيمان ونخرجكم من الكفر (بل كنتم قوما طاغين) أي متجاوزين الحد في الكفر والضلال، وقوله (فحق علينا قول ربنا إنا