أي استأجره ليرعى لنا الغنم، وفيه دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة. وقد اتفق على جوازها ومشروعيتها جميع علماء الإسلام إلا الأصم فإنه عن سماع أدلتها أصم، وجملة (إن خير من استأجرت القوي الأمين) تعليل لما وقع منها من الإرشاد لأبيها إلى استئجار موسى: أي إنه حقيق باستئجارك له لكونه جامعا بين خصلتي القوة والأمانة. وقد تقدم في المروى عن ابن عباس وعمر أن أباها سألها عن وصفها له بالقوة والأمانة فأجابته بما تقدم قريبا (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين) فيه مشروعية عرض ولي المرأة لها على الرجل، وهذه سنة ثابته في الإسلام، كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، والقصة معروفة، وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوة، وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (على أن تأجرني ثماني حجج) أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين. قال الفراء: يقول على أن تجعل ثوابي أن ترعى غنمي ثماني سنين، ومحل (على أن تأجرني) النصب على الحال، وهو مضارع أجرته، ومفعوله الثاني محذوف: أي نفسك و (ثماني حجج) ظرف. قال المبرد: يقال: أجرت داري ومملوكي غير ممدود وممدودا والأول أكثر (فإن أتممت عشرا فمن عندك) أي إن أتممت ما استأجرتك عليه من الرعي عشر سنين فمن عندك أي تفضلا منك لا إلزاما مني لك، جعل ما زاد على الثمانية الأعوام إلى تمام عشرة أعوام. موكولا إلى المروءة، ومحل (فمن عندك) الرفع على تقدير مبتدأ: أي فهي من عندك (وما أريد أن أشق عليك) بإلزامك إتمام العشرة الأعوام، واشتقاق المشقة من الشق: أي شق ظنه نصفين، فتارة يقول أطيق، وتارة يقول لا أطيق. ثم رغبه في قبول الإجارة فقال (ستجدني إن شاء الله من الصالحين) في حسن الصحبة والوفاء، وقيل أراد الصلاح على العموم، فيدخل صلاح المعاملة في تلك الإجارة تحت الآية دخولا أوليا، وقيد ذلك بالمشيئة تفويضا للأمر إلى توفيق الله ومعونته. ثم لما فرغ شعيب من كلامه قرره موسى ف (قال ذلك بيني وبينك) واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده، والإشارة إلى ما تعاقدا عليه، وجملة (أيما الأجلين قضيت) شرطية وجوابها (فلا عدوان علي) والمراد بالأجلين الثمانية الأعوام والعشرة الأعوام، ومعي قضيت وفيت به وأتممته، والأجلين مخفوض بإضافة اي إليه، وما زائدة. وقال ابن كيسان: " ما " في موضع خفض بإضافة أي إليها، و " الأجلين " بدل منها، وقرأ الحسن (أيما) بسكون الياء، وقرأ ابن مسعود (أي الأجلين ما قضيت) ومعنى (فلا عدوان علي) فلا ظلم علي بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين: أي كما لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام لا أطالب بالنقصان على العشرة. وقيل المعنى: كما لا أطالب بالزيادة على العشرة الأعوام لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام، وهذا أظهر. وأصل العدوان تجاوز الحد في غير ما يجب. قال المبرد: وقد علم موسى أنه لا عدوان عليه إذا أتمهما، ولكنه جمعهما ليجعل الأول كالأتم في الوفاء. قرأ الجمهور (عدوان) بضم العين. وقرأ أبو حيوة بكسرها (والله على ما نقول وكيل) أي على ما نقول من هذه الشروط الجارية بيننا شاهد وحفيظ، فلا سبيل لأحدنا إلى الخروج عن شئ من ذلك. قيل هو من قول موسى، وقيل من قول شعيب، والأول أولى لوقوعه في جملة كلام موسى (فلما قضى موسى الأجل) هو أكملهما وأوفاهما، وهو العشرة الأعوام كما سيأتي آخر البحث، والفاء صريحه (وسار بأهله) إلى مصر، وفيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء (آنس من جانب الطور نارا) أي أبصر من الجهة التي تلي الطور نارا، وقد تقدم تفسير هذا في سورة طه مستوفى (قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر) وهذا تقدم تفسيره أيضا في سورة طه وفي سورة النمل (أو جذوة) قرأ الجمهور بكسر الجيم، وقرأ حمزة ويحيى بن وثاب بضمها، وقرأ عاصم والسلمي وذر بن حبيش بفتحها. قال الجوهري: الجذوة
(١٦٩)