الله، وقال (أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) أي هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشر، فكيف يدعون هذه الدعوى الكاذبة. وهؤلاء هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف، كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم. وإذا ظهرت قوة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن (قالوا إنا كنا معكم) وقيل المراد بهذا وما قبله المنافقون. قال مجاهد: نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم. فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا. وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون. فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، والظاهر أن هذا النظم من قوله (ومن الناس من يقول) إلى قوله (وقال الذين كفروا) نازل في المنافقين لما يظهر من السياق، ولقوله (وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده: أي ليميزن الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله. والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عز وجل، وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام، وزعم أنه من المسلمين (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا) اللام في " للذين آمنوا " هي لام التبليغ: أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع: أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا وادخلوا في ديننا (ولنحمل خطاياكم) أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون فلنحمل ذلك عنكم فنؤاخذ به دونكم واللام في لنحمل لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك. وقال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء: أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، ثم رد الله عليهم بقوله (وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ) من الأولى بيانية. والثانية مزيدة للاستغراق: أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال (إنهم لكاذبون) فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم. قال المهدوي: هذا التكذيب لهم من الله عز وجل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر (وليحملن أثقالهم) أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة (وأثقالا مع أثقالهم) أي أوزارا مع أوزارهم. وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ومثله قوله سبحانه - إن أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها " كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره (وليسألن يوم القيامة) تقريعا وتوبيخا (عما كانوا يفترون) أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا. وقال مقاتل:
يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله (ألم أحسب الناس أن يتركوا) الآية قال: أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، قال: فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم - ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم -. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه. وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن