النجوم: أي منازلها الاثنا عشر، وقيل هي النجوم الكبار، والأول أولى. وسميت بروجا، وهي القصور العالية لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها، واشتقاق البرج من التبرج، وهو الظهور (وجعل فيها سراجا) أي شمسا، ومثله قوله تعالى - وجعل الشمس سراجا - قرأ الجمهور " سراجا " بالإفراد. وقرأ حمزة والكسائي " سرجا " بالجمع: أي النجوم العظام الوقادة، ورجح القراءة الأولى أبو عبيد. قال الزجاج: في تأويل قراءة حمزة والكسائي أراد الشمس والكواكب (وقمرا منيرا) أي ينير الأرض إذا طلع، وقرأ الأعمش " قمرا " بضم القاف وإسكان الميم، وهي قراءة ضعيفه شاذة (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) قال أبو عبيدة: الخلفة كل شئ بعد شئ:
الليل خلفه للنهار، والنهار خلفه لليل، لأن أحدهما يخلف الاخر ويأتي بعده، ومنه خلفه النبات، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
بها العين والآرام يمشين خلفة * وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم قال الفراء في تفسير الآية: يقول يذهب هذا ويجيء هذا، وقال مجاهد: خلفة من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود. وقيل يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان. وقيل هو من باب حذف المضاف: أي جعل الليل والنهار ذوي خلفة: أي اختلاف (لمن أراد أن يذكر) قرأ حمزة مخففا، وقرأ الجمهور بالتشديد، فالقراءة الأولى من الذكر لله، والقراءة الثانية من التذكر له. وقرأ أبي بن كعب " يتذكر " ومعنى الآية: أن المتذكر المعتبر إذا نظر في اختلاف الليل والنهار علم أنه لابد في انتقالهما من حال إلى حال من ناقل (أو أراد شكورا) أي أراد أن يشكر الله على ما أودعه في الليل والنهار من النعم العظيمة والألطاف الكثيرة. قال الفراء: ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد. قال الله تعالى - واذكروا ما فيه - وفي حرف عبد الله ويذكروا ما فيه (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) هذا كلام مستأنف مسوق لبيان صالحي عباد الله سبحانه، وعباد الرحمن مبتدأ وخبره الموصول مع صلته، والهون مصدر، وهو السكينة والوقار. وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الهون متعلق بيمشون:
أي يمشون على الأرض مشيا هونا. قال ابن عطية: ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هونا مناسبة لمشيه، وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل، لأنه رب ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتكفأ في مشيه كأنما يمشى في صيب (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ذكر سبحانه أنهم يتحملون ما يرد عليهم من أذى أهل الجهل والسفه فلا يجهلون مع من يجهل ولا يسافهون أهل السفه. قال النحاس: ليس هذا السلام من التسليم إنما هو من التسلم تقول العرب سلاما: أي تسلما منك:
أي براءة منك، منصوب على أحد أمرين: إما على أنه مصدر لفعل محذوف: أي قالوا سلمنا سلاما، وهذا على قول سيبويه، أو على أنه مفعول به: أي قالوا هذا اللفظ، ورجحه ابن عطية. وقال مجاهد: معنى سلاما سدادا:
أي يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين. قال سيبويه: لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين لكنه على قوله تسليما منكم ولا خير ولا شر بيننا وبينكم. قال المبرد: كان ينبغي أن يقال لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم، ثم أمروا بحربهم. وقال محمد بن يزيد: أخطأ سيبويه في هذا وأساء العبارة. قال النحاس: ولا نعلم لسيبويه كلاما في معنى الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية، لأنه قال في آخر كلامه فنسختها آية السيف. وأقول: هكذا يكون كلام الرجل إذا تكلم في غير علمه ومشى في غير طريقته، ولم يؤمر المسلمون بالسلام على المشركين ولا نهوا عنه، بل أمروا بالصفح والهجر الجميل، فلا حاجة إلى دعوى النسخ. قال النضر بن شميل: حدثني الخليل قال:
أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا: