لذائقون) من قول المتبوعين: أي وجب علينا وعليكم ولزمنا قول ربنا، يعنون قوله تعالى - لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين - إنا لذائقوا العذاب: أي إنا جميعا لذائقوا العذاب الذي ورد به الوعيد. قال الزجاج: أي إن المضل والضال في النار (فأغويناكم) أي أضللناكم عن الهدى، ودعوناكم إلى ما كنا فيه من الغي، وزينا لكم ما كنتم عليه من الكفر (إنا كنا غاوين) فلا عتب علينا في تعرضنا لإغوائكم، لأنا أردنا أن تكونوا أمثالنا في الغواية، ومعنى الآية: أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية، فأقروا ها ها هنا بأنهم تسببوا لإغوائهم، لكن لا بطريق القهر والغلبة، ونفوا عن أنفسهم فيما سبق أنهم قهروهم وغلبوهم، فقالوا (وما كان لنا عليكم من سلطان) ثم أخبر الله سبحانه عن الأتباع والمتبوعين بقوله (فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون) كما كانوا مشتركين في الغواية (إنا كذلك نفعل بالمجرمين) أي إنا نفعل مثل ذلك الفعل بالمجرمين: أي أهل الإجرام، وهم المشركون كما يفيده قوله سبحانه (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) أي إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله يستكبرون عن القبول، ومحل يستكبرون النصب على أنه خبر كان، أو الرفع على أنه خبر إن، وكان ملغاة (ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون) يعنون النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي لقول شاعر مجنون، فرد الله سبحانه عليهم بقوله (بل جاء بالحق) يعني القرآن المشتمل على التوحيد والوعد والوعيد (وصدق المرسلين) أي صدقهم فيما جاءوا به من التوحيد والوعيد وإثبات الدار الآخرة ولم يخالفهم ولا جاء بشئ لم تأت به الرسل قبله (إنكم لذائقوا العذاب الأليم) أي أنكم بسبب شرككم وتكذيبكم لذائقوا العذاب الشديد الألم. قرأ الجمهور " لذائقوا " بحذف النون وخفض العذاب، وقرأ أبان بن ثعلب عن عاصم وأبو السماك بحذفها ونصب العذاب، وأنشد سيبويه في مثل هذه القراءة بالحذف للنون والنصب للعذاب قول الشاعر:
فألفيته غير مستعتب * ولا ذاكر الله إلا قليلا وأجاز سيبويه أيضا - والمقيمي الصلاة - بنصب الصلاة على هذا التوجيه. وقد قرئ بإثبات النون ونصب العذاب على الأصل. ثم بين سبحانه أن ما ذاقوه من العذاب ليس إلا بسبب أعمالهم، فقال (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون) أي إلا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي، أو إلا بما كنتم تعملون. ثم استثنى المؤمنين فقال (إلا عباد الله المخلصين) قرأ أهل المدينة والكوفة " المخلصين " بفتح اللام: أي الذين أخلصهم الله لطاعته وتوحيده. وقرأ الباقون بكسرها: أي الذين أخلصوا لله العبادة والتوحيد، والاستثناء إما متصل على تقدير تعميم الخطاب في تجزون لجميع المكلفين، أو منقطع: أي لكن عباد الله المخلصين لا يذوقون العذاب، والإشارة بقوله (أولئك) إلى المخلصين، وهو مبتدأ وخبره قوله (لهم رزق معلوم) أي لهؤلاء المخلصين رزق يرزقهم الله إياه معلوم في حسنه وطيبة وعدم انقطاعه. قال قتادة: يعني الجنة، وقيل معلوم الوقت، وهو أن يعطوا منه بكرة وعشية كما في قوله - ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا - وقيل هو المذكور في قوله بعده (فواكه) فإنه بدل من رزق أو خبر مبتدأ محذوف:
أي هو فواكه، وهذا هو الظاهر. والفواكه جمع الفاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها، وخصص الفواكه بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه كذا قيل. والأولى أن يقال: إن تخصيصها بالذكر لأنها أطيب ما يأكلونه وألذ ما تشتهيه أنفسهم. وقيل إن الفواكه من أتباع سائر الأطعمة، فذكرها يغنى عن ذكر غيرها، وجملة (وهم مكرمون) في محل نصب على الحال: أي ولهم من الله عز وجل إكرام عظيم برفع درجاتهم عنده وسماع كلامه ولقائه في الجنة. قرأ الجمهور " مكرمون " بتخفيف الراء. وقرأ أبو مقسم بتشديدها وقوله (في جنات النعيم) يجوز أن يتعلق بمكرمون وأن يكون خبرا ثانيا، وأن يكون حالا، وقوله (على سرر) يحتمل أن يكون حالا، وأن يكون خبرا ثالثا،