الكفار، وقيل كفار مكة على الخصوص (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) أي يعلمون ظاهر ما يشاهدونه من زخارف الدنيا وملاذها وأمر معاشهم وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية، وقيل هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع، وقيل الظاهر الباطل (وهم عن الآخرة) التي هي النعمة الدائمة، واللذة الخالصة (هم غافلون) لا يلتفتون إليها ولا يعدون لها ما يحتاج إليه. أو غافلون عن الإيمان بها والتصديق بمجيئها (أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما) الهمزة للانكار عليهم والواو للعطف على مقدر كما في نظائره، وفي أنفسهم ظرف للتفكر وليس مفعولا للتفكر والمعنى: أن أسباب التفكر حاصلة لهم، وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي لعلموا وحدانية الله وصدق أنبيائه، وقيل إنها مفعول للتفكر. والمعنى: أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئا، و " ما " في " ما خلق الله " نافية: أي لم يخلقها إلا بالحق الثابت الذي يحق ثبوته أو هي اسم في محل نصب على إسقاط الخافض: أي بما خلق الله والعامل فيها إما العلم الذي يؤدي إليه التفكر. وقال الزجاج: في الكلام حذف: أي فيعلموا، فجعل ما معمولة للفعل المقدر لا للعلم المدلول عليه، والباء في (إلا بالحق) إما للسببية، أو هي ومجرورها في محل نصب على الحال: أي ملتبسة بالحق. قال الفراء: معناه إلا للحق: أي للثواب والعقاب، وقيل بالحق بالعدل، وقيل بالحكمة، وقيل بالحق: أي أنه هو الحق وللحق خلقها (وأجل مسمى) معطف على الحق: أي وبأجل مسمى للسموات والأرض وما بينهما تنتهي إليه، وهو يوم القيامة، وفي هذا تنبيه على الفناء، وأن لكل مخلوق أجلا لا يجاوزه. وقيل معنى (وأجل مسمى) أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشئ (وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) أي الكافرون بالبعث بعد الموت، واللام هي المؤكدة، والمراد بهؤلاء الكفار على الإطلاق، أو كفار مكة (أو لم يسيروا في الأرض) الاستفهام للتقريع والتوبيخ لعدم تفكرهم في الآثار وتأملهم لمواقع الاعتبار، والفاء في (فينظروا) للعطف على يسيروا داخل تحت ما تضمنه الاستفهام من التقريع والتوبيخ، والمعنى: أنهم قد ساروا وشاهدوا (كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) من طوائف الكفار الذين أهلكهم الله بسبب كفرهم بالله وجحودهم للحق وتكذيبهم للرسل، وجملة (كانوا أشد منهم قوة) مبينة للكيفية التي كانوا عليها، وأنهم أقدر من كفار مكة ومن تابعهم على الأمور الدنيوية، ومعنى (وأثاروا الأرض) حرثوها وقلبوها للزراعة وزاولوا إلى أسباب ذلك ولم يكن أهل مكة أهل حرث (وعمروها أكثر مما عمروها) أي عمروها عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء، لأن أولئك كانوا أطول منهم أعمارا، وأقوى أجساما، وأكثر تحصيلا لأسباب المعاش، فعمروا الأرض بالأبنية والزراعة والغرس (وجاءتهم رسلهم) بالبينات أي المعجزات، وقيل بالأحكام الشرعية (فما كان الله ليظلمهم) بتعذيبهم على غير ذنب (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بالكفر والتكذيب (ثم كان عاقبة الذين أساءوا) أي علموا السيئات من الشرك والمعاصي (السوآي) هي فعلى من السوء تأنيث الأسوأ، وهو الأقبح: أي كان عاقبتهم العقوبة التي هي أسوأ العقوبات، وقيل هي اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة، ويجوز أن تكون مصدرا كالبشرى والذكرى، وصفت به العقوبة مبالغة. قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاقبة بالرفع على أنها اسم كان، وتذكير الفعل لكون تأنيثها مجازيا، والخبر السوآي:
أي الفعلة أو الخصلة أو العقوبة السوآي أو الخبر (أن كذبوا) أي كان آخر أمرهم التكذيب، وقرأ الباقون " عاقبة " بالنصب على خبر كان والاسم السويء، أو أن كذبوا، ويكون التقدير: ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساءوا، والسوآي مصدر أساءوا أو صفة لمحذوف. وقال الكسائي: إن قوله (أن كذبوا) في محل نصب على العلة: أي لأن كذبوا بآيات الله التي أنزلها على رسله، أو بأن كذبوا، ومن القائلين بأن السوآي جهنم. الفراء والزجاج وابن قتيبة