أي ليس لكم من دون الله أو من دون عذابه من ولي يواليكم ويرد عنكم عذابه ولا شفيع يشفع لكم عنده (أفلا تتذكرون) تذكر تدبر وتفكر وتسمعون هذه المواعظ سماع من يفهم ويعقل حتى تنتفعوا بها (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) لما بين سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما بين تدبيره لأمرها: أي يحكم الأمر بقضائه وقدره من السماء إلى الأرض، والمعنى: ينزل أمره من أعلا السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال سبحانه - الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن - ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولا وطلوعا ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل المراد بالأمور المأمور به من الأعمال: أي ينزله مدبرا من السماء إلي الأرض. وقيل يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض.
وقيل ينزل الوحي مع جبريل. وقيل العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله - ثم استوى على العرش يدبر الأمر يفصل الآيات - وما دون السماوات موضع التصرف. قال الله - ولقد صرفناه بينهم ليذكروا - ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال (ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) أي ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء والطلوع من الأرض كما قدمنا. وقيل إن المراد أنه يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ويموت من فيها. وقيل هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة، والمعنى: أنه يثبت ذلك عنده ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كل وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها. وقيل معنى يعرج إليه: يثبت في علمه موجودا بالفعل في برهة من الزمان هي مقدار ألف سنة، والمراد طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان. وقيل يدبر أمر الحوادث اليومية باثباتها في اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة، ثم تعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا. وقيل يقضى قضاء ألف سنة فتنزل به الملائكة، ثم تعرج بعد الألف لألف آخر. وقيل المراد أن الأعمال التي هي طاعات يدبرها الله سبحانه وينزل بها ملائكته ثم لا يعرج إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده. وقيل الضمير في يعرج يعود إلى الملك وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق، وقد جاء صريحا في قوله - تعرج الملائكة والروح إليه - والضمير في إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها، أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه وهو الذي أقره الله فيه. وقيل المعنى: يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقيل المعنى: أن الملك يعرج إلى الله في يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة، لأن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام، فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام، وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير.
وقيل مسافة النزول ألف سنة ومسافة الطلوع ألف سنة، روى ذلك عن الضحاك. وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدة النهار بين ليلتين، والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر: يومان يوم مقامات وأندية * ويوم سير إلى الأعداء تأديب فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم.
قرأ الجمهور " يعرج " على البناء للفاعل. وقرأ ابن عبلة على البناء للمفعول، والأصل يعرج به، ثم حذف حرف الجار فاستر الضمير. وقد استشكل جماعة الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه - تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة - فقيل في الجواب إن يوم القيامة مقداره الف سنة من أيام الدنيا، ولكنه باعتبار