الثقل. وقرأ طلحة بن مصرف " وقر " بكسر الواو. وقرئ بفتح الواو والقاف، و " من " في (ومن بيننا وبينك حجاب) لابتداء الغاية، والمعنى: أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة بين جهتنا وجهتك مستوعية منه بالحجاب لا فراغ فيها، وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق ومج أسماعهم له وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فاعمل إننا عاملون) أي اعمل على دينك إننا عاملون على ديننا. وقال الكلبي: اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك. وقال مقاتل: اعمل لإلاهك الذي أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها، وقيل اعمل لآخرتك فإنا عاملون لدنيانا. ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عن قولهم هذا فقال (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) أي إنما أنا كواحد منكم لولا الوحي، ولم أكن من جنس مغاير لكم حتى تكون قلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه وفي آذانكم وقر ومن بيني وبينكم حجاب، ولم أدعكم إلى ما يخالف العقل، وإنما أدعوكم إلى التوحيد. قرأ الجمهور " يوحى " مبنيا للمفعول. وقرأ الأعمش والنخعي مبنيا للفاعل: أي يوحى الله إلي. قيل ومعنى الآية: إني لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسرا فإني بشر مثلكم ولا امتياز لي عنكم إلا أني أوحى إلي التوحيد والأمر به، فعلى البلاغ وحده فإن قبلتم رشدتم وإن أبيتم هلكتم. وقيل المعنى: إني لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحى إلي دونكم، فصرت بالوحي نبيا ووجب عليكم اتباعي. وقال الحسن في معنى الآية: إن الله سبحانه علم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يتواضع (فاستقيموا إليه) عداه بإلى لتضمنه معنى توجهوا، والمعنى: وجهوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تميلوا عن سبيله (واستغفروه) لما فرط منكم من الذنوب. ثم هدد المشركين وتوعدهم فقال (وويل للمشركين) ثم وصفهم بقوله (الذين لا يؤتون الزكاة) أي يمنعونها ولا يخرجونها إلى الفقراء. وقال الحسن وقتادة: لا يقرون بوجوبها. وقال الضحاك ومقاتل: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. وقيل معنى الآية، لا يشهدون أن لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس وتطهيرها. وقال الفراء:
كان المشركون ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت فيهم هذه الآية (وهم بالآخرة هم كافرون) معطوف على لا يؤتون داخل معه في حيز الصلة: أي منكرون للآخرة جاحدون لها والمجيء بضمير الفصل لقصد الحصر (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) أي غير مقطوع عنهم، يقال مننت الحبل: إذا قطعته، ومنه قول الأصبغ الأودي:
إني لعمرك ما آبي بذى علق * على الصديق ولا خيري بممنون وقيل الممنون المنقوص، قاله قطرب، وأنشد قول زهير:
فضل الجواد على الخيل البطاقا: * يعطي بذلك ممنونا ولا مرقا قال الجوهري: المن القطع ويقال النقص، ومنه قوله تعالى (لهم أجر غير ممنون) وقال لبيد:
* عنسا كواسب لا يمن طعامها * وقال مجاهد غير ممنون: غير محسوب، وقيل معنى الآية، لا يمن عليهم به لأنه إنما يمن بالتفضل، فأما الأجر فحق أداؤه. وقال السدي: نزلت في المرضى والزمني والهرمي إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه. ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يوبخهم ويقرعهم فقال (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) أي لتكفرون بمن شأنه هذا الشأن العظيم وقدرته هذه القدرة الباهرة. قيل اليومان هما يوم الأحد ويوم الاثنين، وقيل المراد مقدار يومين لأن اليوم الحقيقي إنما يتحقق بعد وجود الأرض والسماء. قرأ الجمهور " أئنكم " بهمزتين الثانية بين بين، وقرأ ابن كثير بهمزة