من يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أميا لا يقدر على أن يقرأها من ذلك المكتوب بنفسه، ويجوز أن يكون المعنى اكتتبها أراد اكتتابها (فهي تملى عليه) لأنه يقال أمليت عليه فهو يكتب (بكرة وأصيلا) غدوة وعشيا كأنهم قالوا:
إن هؤلاء يعلمون محمد طرفي النهار، وقيل معنى بكرة وأصيلا: دائما في جميع الأوقات فأجاب سبحانه عن هذه الشبهة بقوله (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض) أي ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة وأخبار الأولين، بل هو أمر سماوي أنزله الذي يعلم كل شئ لا يغيب عنه شئ من الأشياء، فلهذا عجزتم عن معارضته ولم تأتوا بسورة منه، وخص السر للإشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لا تبلغ إليها عقول البشر، والسر: الغيب أي يعلم الغيب الكائن فيهما، وجملة (إنه كان غفورا رحيما) تعليل لتأخير العقوبة: أي إنكم وإن كنتم مستحقين لتعجيل العقوبة بما تفعلونه من الكذب على رسوله والظلم له، فإنه لا يعجل عليكم بذلك، لأنه كثير المغفرة والرحمة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (تبارك) تفاعل من البركة. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (وأعانه عليه قوم آخرون) قال يهود (فقد جاءوا ظلما وزورا) قال: كذبا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده) هو القرآن فيه حلاله وحرامه وشرائعه ودينه، وفرق الله بين الحق والباطل (ليكون للعالمين نذيرا) قال:
بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم نذيرا من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم (وخلق كل شئ فقدره تقديرا) قال: بين لكل شئ من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم (واتخذوا من دونه آلهة) قال: هي الأوثان التي تعبد من دون الله (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) وهو الله الخالق الرازق، وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك ولا حياة ولا نشورا: يعنى بعثا (وقال الذين كفروا) هذا قول مشركي العرب (إن هذا إلا إفك عظيم) هو الكذب (افتراه وأعانه عليه) أي على حديثه هذا وأمره (قوم آخرون، أساطير الأولين) كذب الأولين وأحاديثهم.