التضعيف للحسنات، وقيل لهم جزاء الإضعاف لأن الضعف في معنى الجمع، والباء في (بما عملوا) للسببية (وهم في الغرفات آمنون) من جميع ما يكرهون، والمراد غرفات الجنة، قرأ الجمهور " جزاء الضعف " بالإضافة، وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم وقتادة برفعهما على أن الضعف بدل من جزاء. وروي عن يعقوب أنه قرأ " جزاء " بالنصب منونا، و " الضعف " بالرفع على تقدير: فأولئك لهم الضعف جزاء: أي حال كونه جزاء. وقرأ الجمهور " في الغرفات " بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله - لنبوئنهم من الجنة غرفا - وقرأ الأعمش ويحيى ابن وثاب وحمزة وخلف " في الغرفة " بالإفراد لقوله - أولئك يجزون الغرفة - ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ذكر حال الكافرين فقال (والذين يسعون في آياتنا) بالرد لها والطعن فيها حال كونهم (معاجزين) مسابقين لنا زاعمين أنهم يفوتوننا بأنفسهم، أو معاندين لنا بكفرهم (أولئك في العذاب محضرون) أي في عذاب جهنم تحضرهم الزبانية إليها لا يجدون عنها محيصا. ثم كرر سبحانه ما تقدم لقصد التأكيد للحجة والدفع لما قاله الكفرة فقال (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) أي يوسعه لمن يشاء ويضيفه على من يشاء، وليس في ذلك دلالة على سعادة ولا شقاوة (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) أي يخلفه عليكم، يقال أخلف له وأخلف عليه:
إذا أعطاه عوضه وبدله، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة (وهو خير الرازقين) فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة بل على طريق المجاز، كما يقال في الرجل إنه يرزق عياله، وفي الأمير إنه يرزق جنده، والرازق للأمير والمأمور والكبير والصغير هو الخالق لهم، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئا مما رزقه الله فهو إنما تصرف في رزق الله له فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله وإنفاقه فيما أمره الله (ويوم نحشرهم جميعا) الظرف منصوب بفعل مقدر نحو أذكر، أو هو متصل بقوله - ولو ترى إذ الظالمون موقوفون - أي ولو تراهم أيضا يوم نحشرهم جميعا للحساب العابد والمعبود والمستكبر والمستضعف، (ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) تقريعا للمشركين وتوبيخا لمن عبد غير الله عز وجل كما في قوله لعيسى - أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله - وإنما خصص الملائكة بالذكر مع أن بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين والأصنام لأنهم أشرف معبودات المشركين. قال النحاس: والمعنى أن الملائكة إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت للمشركين، وجملة (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) مستأنفة جواب سؤال مقدر: أي تنزيها لك أنت الذي نتولاه ونطيعه ونعبده من دونهم، ما اتخذناهم عابدين ولا توليناهم وليس لنا غيرك وليا، ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه فقالوا (بل كانوا يعبدون الجن) أي الشياطين وهم إبليس وجنوده ويزعمون أنهم يرونهم وأنهم ملائكة وأنهم بنات الله. وقيل كانوا يدخلون أجواف الأصنام ويخاطبونهم منها (أكثرهم بهم مؤمنون) أي أكثر المشركين بالجن مؤمنون بهم مصدقون لهم، قيل والأكثر في معنى الكل (فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) يعني العابدين والمعبودين لا يملك بعضهم وهم المعبودون لبعض، وهم العابدون (نفعا) أي شفاعة ونجاة (ولا ضرا) أي عذابا وهلاكا، وإنما قيل لهم هذا القول إظهارا لعجزهم وقصورهم وتبكيتا لعابديهم، وقوله (ولا ضرا) هو على حذف مضاف: أي لا يملكون لهم دفع ضر، وقوله (ونقول للذين ظلموا) عطف على قوله (نقول للملائكة) أي للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) في الدنيا.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكين، خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه