ذلك (وإنما أنا نذير مبين) أنذركم كما أمرت وأبين لكم كما ينبغي، ليس في قدرتي غير ذلك. قرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي " لولا أنزل عليه آية " بالإفراد. وقرأ الباقون بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله " قل إنما الآيات " (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) هذه الجملة مستأنفة للرد على اقتراحهم وبيان بطلانه.
أي أو لم يكف المشركين من الآيات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وآيات غيره من الأنبياء لما آمنوا، كما لم يؤمنوا بالقرآن الذي يتلى عليهم في كل زمان ومكان (إن في ذلك) الإشارة إلى الكتاب الموصوف بما ذكر (لرحمة) عظيمة في الدنيا والآخرة (وذكرى) في الدنيا يتذكرون بها وترشدهم إلى الحق (لقوم يؤمنون) أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) أي قل للمكذبين كفى الله شهيدا بما وقع بيني وبينكم (يعلم ما في السماوات والأرض) لا تخفى عليه من ذلك خافية، ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله (والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) أي آمنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه، أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والآخرة (ويستعجلونك بالعذاب) استهزاء وتكذيبا منهم بذلك كقولهم - أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم - (ولولا أجل مسمى) قد جعله الله لعذابهم وعينه، وهو القيامة، وقال الضحاك: الأجل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب (لجاءهم العذاب) أي لولا ذلك الأجل المضروب لجاءهم العذاب الذي يستحقونه بذنوبهم. وقيل المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى، وقيل الوقت الذي قدره الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر. والحاصل أن لك عذاب أجلا لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كما في قوله سبحانه - لكل نبأ مستقر - وجملة (وليأتينهم بغتة) مستأنفة مبينة لمجيء العذاب المذكور قبلها، ومعنى بغتة فجأة، وجملة (وهم لا يشعرون) في محل نصب على الحال: أي حال كونهم لا يعلمون بإتيانه، ثم ذكر سبحانه أن موعد عذابهم النار فقال (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) أي يطلبون منك تعجيل عذابهم والحال أن مكان العذاب محيط بهم: أي سيحيط بهم عن قرب، فإن ما هو آت قريب، والمراد بالكافرين جنسهم فيدخل فيه هؤلاء المستعجلون دخولا أوليا، فقوله (ويستعجلونك بالعذاب) إخبار عنهم، وقوله ثانيا (يستعجلونك بالعذاب تعجب) منهم، وقيل التكرير للتأكيد. ثم ذكر سبحانه كيفية إحاطة العذاب بهم فقال (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم) أي من جميع جهاتهم فإذا غشيهم العذاب على هذه الصفة فقد أحاطت بهم جهنم (ونقول ذوقوا ما كنتم تعملون) القائل هو الله سبحانه أو بعض ملائكته يأمره: أي ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي. قرأ أهل المدينة والكوفة " نقول " بالنون. وقرأ الباقون بالتحتية، واختار القراءة الأخيرة أبو عبيد لقوله (قل كفى بالله) وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة " ويقال ذوقوا ".
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس في قوله (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ ولا يكتب كان أميا، وفي قوله (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) قال: كان الله أنزل شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعله لهم آية فقال لهم: إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج ولا يعلم كتابا ولا يخطه بيمينه، وهي الآيات البينات التي قال الله تعالى. وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله (وما كنت