الماء المالح خاصة، ولولا ذلك لقال: فيهما (مواخر) يقال مخرت السفينة تمخر: إذا شقت الماء. فالمعنى: وترى السفن في البحرين شواق للماء بعضها مقبلة، وبعضها مدبرة بريح واحدة، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة النحل، واللام في (لتبتغوا من فضله) متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق: أي فعل ذلك لتبتغوا أو بمواخر. قال مجاهد: ابتغاء الفضل هو التجارة في البحر إلى البلدان البعيدة في مدة قريبة كما تقدم في البقرة (ولعلكم تشكرون) الله على ما أنعم عليكم به من ذلك. قال أكثر المفسرين: إن المراد من الآية ضرب المثل في حق المؤمن والكافر، والكفر والإيمان، فكما لا يستوي البحران كذلك لا يستوي المؤمن والكافر، ولا الكفر والإيمان (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل) أي يضيف بعض أجزائهما إلى بعض، فيزيد في أحدهما بالنقص في الآخر، وقد تقدم تفسيره في آل عمران، وفي مواضع من الكتاب العزيز (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) قدره الله لجريانهما، وهو يوم القيامة. وقيل هو المدة التي يقطعان في مثلها الفلك، وهو سنة للشمس، وشهر للقمر. وقيل المراد به جري الشمس في اليوم، والقمر في الليلة. وقد تقدم تفسير هذا مستوفى في سورة لقمان، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى الفاعل لهذه الأفعال وهو الله سبحانه، واسم الإشارة مبتدأ وخبره (الله ربكم له الملك) أي هذا الذي من صنعته ما تقدم: هو الخالق المقدر والقادر المقتدر المالك للعالم، والمتصرف فيه، ويجوز أن يكون قوله: له الملك جملة مستقلة في مقابلة قوله (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) أي لا يقدرون عليه ولا على خلقه، والقطمير: القشرة الرقيقة التي تكون بين التمرة والنواة وتصير على النواة كاللفافة لها. وقال المبرد: هو شق النواة. وقال قتادة: هو القمع الذي على رأس النواة. قال الجوهري: ويقال هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة. ثم بين سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله بأنهم لا ينفعون ولا يضرون فقال (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم) أي إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم، لكونها جمادات لا تدرك شيئا من المدركات (ولو سمعوا) على طريقة الفرض، والتقدير (ما استجابوا لكم) لعجزهم عن ذلك. قال قتادة: المعنى ولو سمعوا لم ينفعوكم. وقيل المعنى: لو جعلنا لهم سماعا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الكفر (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) أي يتبرؤون من عبادتكم لهم، ويقولون - ما كنتم إيانا تعبدون - ويجوز أن يرجع (والذين تدعون من دونه) وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار، وهم الملائكة والجن والشياطين. والمعنى: أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم (ولا ينبئك مثل خبير) أي لا يخبرك مثل من هو خبير بالأشياء عالم بها، وهو الله سبحانه فإنه لا أحد أخبر بخلقه وأقوالهم وأفعالهم منه سبحانه، وهو الخبير بكنه الأمور وحقائقها.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، فلا يبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا من شاء الله إلا مات، ثم يرسل الله من تحت العرش منيا كمني الرجال، فتنبت أجسامهم ولحومهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ عبد الله (الله الذي أرسل الرياح) الآية. وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين العقيلي قال " قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: أما مررت بأرض مجدبة ثم مررت بها مخصبة تهتز خضراء؟ قلت بلى، قال: كذلك يحيي الله الموتى، وكذلك النشور ". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله